أوتادٌ أُكلت و أخرى ما تزال تؤكل
خميس بن محسن البادي
قال الله تعالى في سورة النبأ{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)}صدق الله العظيم.
الصغير و الكبير يعلم أن الله سبحانه و تعالى قد ميّز السلطنة بسلسلة طويلة من الجبال الصخرية و غير الصخرية شاهقة الارتفاع و تلك المنخفضة و ما بها من الخصائص و التكوينات و الطبقات الجيولوجية، و ذلك عن الكثير من باقي دول العالم بما فيها بعض الدول بالمنطقة التي تتفرد بالطابع الرملي الصحراوي البحت، و لسنا هنا بصدد الفوائد الجمة من خلق الله سبحانه و تعالى لهذه الجبال الراسيات على كوكب الأرض، و الذي جلت قدرته لم يخلق شيئاً في الكون عموماً إلا و ذات فائدة هو يعلمها ثم العلوم و الأبحاث الحديثة التي أثبتها العلماء و الباحثين بالقدر القليل مصداقاً لقوله تعالى في سورة الإسراء{ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}الآية (85)، لأن هذا ليس ذو صلة بما نحن بصدده عبر هذا السياق.
و قد يستاء البعض مما سيرد تالياً، و لكن في المقابل لن يستاء و يتذمر كل من عينه و بصدق خالص على مصلحة هذا الوطن الغالي العزيز، لا سيما إذا كان المعني هنا هو إبن عُمان المعوّل عليه الحفاظ على ثروات و خيرات البلد ليستفيد منها و ينعم بها كل مواطن عماني.
فمنذ انطلاق النهضة المباركة التي قادها الراحل جلالة السلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله تعالى- تنوّعت الصناعات و الأعمال التجارية الفردية الخاصة الشخصية بدعم و مباركة من الحكومة، و حيث كانت الحاجة إلى مواد البناء من الإسمنت و الرمل و الطوب و الحجارة و كذلك الرخام و مادة الجبس و غيرها من الثروات التعدينية، فقد تم الترخيص لبعض الأشخاص بإقامة كسارات و معامل لاستخراج الرخام و مادة الجبس و غيرها من المواد الخام التي تزخر بها هذه الأرض المباركة و في مختلف ولايات السلطنة، لتغطية الطلب المحلي على هذه المواد و التصدير منها للخارج، و للتعزيز النوعي للاقتصاد الوطني للبلد.
فهرول المهرولون عندئذ و لهث اللاهثون و تسابق المتسابقون، كل ذلك لنيل الحظوة من هذه التراخيص التي تدر ذهباً على أصحابها، الذي يكون الواحد منهم ربما قد منح أكثر من ترخيص للغرض ذاته، فاستحوذ بذلك أفراداً بعينهم على جزء من ثروة هذا الوطن دون غيرهم، وحتى العائد لخزانة الدولة من هذه الثروة الذي فرض أدائه على أصحاب هذه الرخص كرسوم أو ضريبة فلتكن تحت أي مسمى، إنما هي لا تعدو كونها مجرد فتات لا يسمن و لا يغني من جوع، إذا ما قورن ذلك بمقدار العائد من هذه التجارة الشخصية المربحة.
و بموجب ذلك أخذوا يأكلون أوتاد الأرض باستخدام آلاتهم الضخمة العملاقة، تطحن الأطواد طحناً لا يوقفها عدا عطل فني طارئ سرعان ما تهب نجدة الإسعاف لإنقاذها كي تعود كسابق أكلها، كما أكلت دابة الأرض منسأة سيدنا سليمان عليه السلام، و ذلك من غير حسيب أو رقيب، فتتوسع مع الأيام دائرة نخرهم للجبال حتى حدا بالبعض منهم تجاوزهم لما حدد لهم من مساحة من قبل جهات الاختصاص، غير عابئين سوى بمصلحتهم ضارين بذلك البلاد بالاستيلاء على خيراته و إنهاك طرقه بشاحناتهم الثقيلة المحمّلة، و أما العباد فبنثر عليهم في جوّهم الأتربة و الأدخنة الناجمة من عملهم اليومي و المستمر على مدار الساعة حيث تقع بعض هذه الأعمال بالقرب من المناطق الآهلة و الأشجار المثمرة و أعلاف الماشية، وأن الطامة الكبرى أن البعض من المواطنين أصحاب تلك التراخيص قد سعوا إلى منحها بالباطن لآخرين من خارج الحدود، و هم الذين كانت تدور من حولهم الشبهات و تجاوز حدود المقرر لهم و السكوت عن بعضهم لأغراض يعلمها الخالق عزّ وجلّ في نفوس من داروا في فلكهم ممن لهم صلاحية منعهم وإيقافهم عن تجاوزاتهم و مخالفاتهم تلك..
إن هذه الكسارات و المعامل و من خلال ما تناها إلى المسمع بشأن بعض الخلافات المالية تحديداً، و التي تقع بدوائر البعض منها، فإن المختلفين في دائرة المنشأة و حين يأتي الدور على ما يتعلق بالمال الكامن في مجمل الموضوع المختلف عليه، فإنهم لا يتحدثون بآلاف الريالات كإيراد (ربع سنوي كأكثر تقدير للمدة) إن لم يكن شهرياً عن الكسارة / المعمل الواحد، بل يكون الحديث هنا بملايين الريالات و ترفق للجهة ناظرة الخلاف الجداول و الكشوفات التي تدل على ذلك، إذاً هي ملايين عن الموقع الواحد، فكم من موقع مماثل في السلطنة قاطبةً، مقارنةً بالأضرار الناجمة و المخالفات المرتكبة و الغير مكتشفة خاصة، و مليارات الريالات المتحصلة كإيراد سنوي عن كل مواقع عمل تلك الكسارات و المعامل في البلاد، و رغم ذلك إن حدث و أن تم إيقاف العمل بأي منها لأسباب معينة قررتها جهةٌ ذات اختصاص لحين زوال أسباب الإيقاف أو البت فيه، نجد أن القائمين على تلك المنشأة لا يلتزمون في الغالب بذلك القرار، بل يقسمون أن يَصْرِمُنّ منشأتهم بليل يتسللون إليها لواذا حتى يغدوا مصبحين فينطلقوا يتخافتون أن لا يراهم اليوم مسؤولاً ناصحاً أمينا فيقعوا في قبضته من جديد، بهذا يكون الاستئثار بثروة وطن لشخص دون آخرين يتنعم هو بمثل هذه الثروة بينما ثمة من يأكل الحصرم و أبنائه يضرسون.
نعم قد تطرح مزايدة تنافسية على بعض المواقع، لكن الأمر الذي لا يختلف عليه اثنان هو ما بعد تلك المزايدة الفقيرة، بالمقابل الذي تكسبه الشركة خلال فترة العمل التي قد تمتد حتى استنزاف ثروة الموقع بالكامل، و التي تساوي ذااااااااك الرقم المالي طوال مدة عقد الاستغلال….
إذاً و الحال كذلك و كمجرد رأي من غير مختص في الشأن الاقتصادي، فلعله من المناسب أن تؤول تلك المنشآت في عموم ولايات السلطنة إلى حضن الدولة، شأنها في ذلك شأن مشتقات النفط و الغاز، حيث سترفد الخزانة العامة ببعض المال و من ثم تعم الفائدة للوطن و المواطنين كافة، و من شأن ذلك أن ينظم العمل في المواقع من غير مخالفات سواء بيئية أو غيرها، كما ستتوفر الكثير من فرص العمل للشباب العماني التي يشغلها حالياً من غيرهم و الذين أعينهم ليس على البلد بل على سرعة نهب خيراته و المغادرة.
إنها عُمان يا كرام إنها البلد التي وسع حضنها كافة أبنائها، السلطنة التي لها تاريخها العريق و الذي نهض بها جلالة السلطان الراحل رحمه الله تعالى، حيث أسس بنيانها الحديث كما هي سلطنة عُمان اليوم.. إذاً هي الأمانة بعينها التي أبت عن حملها السماوات و الأرض و الجبال و التي قَبِل بحملها الإنسان بجهله و ظلمه، و بذلك لنكن أمناء على أداء هذا الحمل العظيم و أعواناً صالحين لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله و رعاه- الذي تنتظره مسؤوليات عظيمة و مهام جسيمة ،، وفقنا الله جميعاً لخدمة عُمان و أهلها.