خميس بن محسن بن سالم البادي
توقفنا الأسبوع الماضي في الجزء الأول من هذا المنشور عند الفقرة،،، فسألت الله الإلهام و التوفيق للتمكن من دفق الحبر على القرطاس، بالكلمات التي جاء ينشدها لديّ قارئها و بنية أن يقنع بها مستمعها قدر الإمكان و المستطاع، فشرعت في الكتابة قائلاً:- ولنواصل الحديث بالقول،،،،
لكن بدايةً و لأني أدرك أنه لا حديث لأحد في قاعة التقاضي إلا بإذن الرئيس الذي هو قاضي جلسة المحاكمة، و الذي من عادته أيضاً السؤال عن محامي الدفاع، لذلك بدأت بقولي..(فضيلة الشيخ القاضي بادئ ذي بدء أتوجه إليكم بشكري و امتناني و جزيل عرفاني، بموافقتكم الكريمة على التشرف بالوقوف أمام فضيلتكم في هذه الساحة العادلة، راجياً منكم إتاحة الفرصة كاملةً أمامي لسماع ما أود قوله على مسمعكم، ليكون بعد ذلك لكم الحكم الفصل في ما ستصل إليه قناعة و اطمئنان وجدان محكمتكم الموقرة، و إني إذ أستميحكم عذراً عن سوء التعبير الذي لا أجيده كما تتمنوه و اعتدتم على سماعه من أناسٍ متعلمين نالوا شهادات علمية عالية، و مثلوا أمامكم يصفون الأحرف والكلمات والجمل و الفقرات صفاً صفا،، بما يُعرف لدى فضيلتكم بالترافع و الدفاع، و ذلك لعدم البسطة في العلم الذي سمحت به ظروف حياتي بتلقيه في ما مضى، و عذراً لذلك لأن القريحة ستجود بما هو مكنونٌ بتواضعٍ جم في مخزونها و موجود، فاقبلوا به مني مشكورين.
فقلد سألتم فضيلة الشيخ القاضي عن محامي الدفاع، و هذا ما لا طاقة لي به، و ليعذرني فضيلتكم بأني لن أكلّف نفسي فوق وسعها، و رغم يقيني أن القانون كفل لمثل حالتي تكليف من تراه المحكمة مناسباً للقيام بمهمة الدفاع، لكن لا أظن أن ثمة من يوجد بما يمكن أن يشعر بالشعور الذي أعانيه و أشعر به منذ اللحظة التي علمت فيها بما أوقع زينتي هذا نفسه فيه، و لذلك أدعوكم برجاء إلى سماع قولي أولاً، فإن ارتأيتم أن حديثي هذا معكم اليوم قد أتى سؤلكم فلكم ذلك و لأكونن لكم من الممتنين الشاكرين، و إلا فلكم الخيار من بعده و على بركة و توفيق و تيسير المولى عزّ و جلّ نبدأ.
سيدي القاضي،، إنها سقطة إبن و انكسار أب،، هذا هو مجمل الحدث الذي نحن بصدد تداوله اليوم في هذه الساحة القضائية المغلقة العادلة،، فلقد وهبني الله تعالى هذا الفتى الذي يقف اليوم أمامكم بالصفة التي تعلمونها، من خلال ما سيق إليكم ضده عبر حافظة القرطاس التي بين يديْ فضيلتكم، الفتى الذي ليس له عضد فهو الوحيد الذي جئت به بأمر الله إلى هذه الدنيا من الحرث التي شاء لها الخالق جلت قدرته أن تغادر الدار الفانية إلى الدار الآخرة، أسأل الله لها العفو و المغفرة، و قد كنت له ما آثرت به نفسي من المديح المكتوم في داخلي بأني خير أب لعجيٍّ لم يمضي من عمره عدا أربعة أعوام فقط حينها، و أنا الذي فضلت أن أكون أيّماً لأجله تجنيباً له مما قد يلحق به ممن ستخلف مكان والدته- رحمة الله تعالى عليها-.
فلقد رزقني الله تعالى به بعد أن بلغت من الكبر عتياً و أنا الفقير إلى الله المعدم، إلا من رحمته و فضله جلت قدرته عليّ، و إعانته لي على السعي لطلب الرزق و القوت من هنا و هناك و لله الحمد و الثناء، فلم يكن في وسعي إلا أن أدلـّله و أرفهه و أوفر له ما يستحقه و يبتغيه من الزاد في هذه الحياة الدنيا تعويضاً له عما فقده من عطف و حنان الأم، في وقت كان هو فيه بأشد الحاجة إلى الحضن الدافئ والصدر الحنون من قِبَل من تحت قدميها الجنة، نعم لقد دللته بكل لما لهذه الكلمة من معنى و مضمون، و لعلكم و الحضور تتساءلون هنا عن هذا الدلال و هذه الرفاهية اللذين يمكن أن أوفرهما لصبيٍّ بدأ للتو يخطو أولى خطواته التي كلما تقدمت به زادت و طُلبت و علت قيمتها و تكاليفها، و أنا المعدم البائس الفقير، و الحمد لله على ما رزقني من الخير و تمام الصحة و كمال العافية، و لكني أوكد لكم دلالي له فعلاً و أي دلال، إنه أغلى الدلال الذي يمكن لامرءٍ مثلي أن يقدمه لابنه في زمنٍ صارت تتكالب فيه الأهواء على الأمّارة من كل حدبٍ و صوب… يتبع الجزء الثالث و الأخير الأسبوع المقبل بإذن الله تعالى…