2024
Adsense
مقالات صحفية

(إنها سقطة إبن و انكسار أب) الجزء الأول

خميس بن محسن بن سالم البادي

في شأن هذا المقال ترددت كثيراً،، أولاً،، التردد لما قبل الكتابة للكتابة نفسها، ثم ما بعدها لغرض النشر، و ذلك للخصوصية التي عادة ما تحيط بالأمور القضائية و منابرها العدلية، و لكن ومن منطلق الحرص على زيادة جرعة التوعية لأبنائنا الطلبة و الفئة العمرية من الثامنة عشرة إلى الخامسة والعشرين تحديداً ولبعض أولياء الأمور أيضاً، و بعد مشورة أهل الرأي والاختصاص، و بغرض الرغبة منا جميعاً كمهتمين بإدراك الأبناء مدى معاناة الآباء التي يتكبدونها و تذللهم للآخرين نظير ما يقترفه بعض الأبناء في حقهم من تجاوزات مخالفة للأعراف المجتمعية والأنظمة و القوانين، لكل ذلك آثرت الكتابة فيما يتعلق بالموضوع ثم السعي نحو النشر.
حيث و في مساء يوم خميس و أنا جالساً كعادتي بفناء المنزل على كرسيّي البلاستيكي و منضدته البيضاء ذات الأرجل وعوارضها الموصولة بها و التي تحد أطرافي السفلية من الولوج تحت سطحها والمؤذية إضافة لذلك لقدمي اللذين يصطدمان بها ويتأذيا منها بسبب أني قد أسأت الإختيار عند الابتياع، و رغم ذلك كنت جالساً مستمتعاً و أنا أرتشف كأساً من الشاي بالحليب المنكّه بالقرفة و الهيل و القرنفل و الزنجبيل و شيئاً من العسل كتحلية، بينما في الوقت ذاته تلامس أناملي سطح شاشة الرفيق الملازم اللاصق الدائم، بحثاً عن أية مستجدات محلية أو عالمية عبر مختلف منابر التحادث و التخابر الإلكتروني أو كما يعرف بالتواصل الاجتماعي، تويتر و أخواتها و بنات عمها، وسط جو شتوي مريح تلفح الوجنات نسمات باردة بدغدغات لطيفة، إذ بطارقٍ يطرق الباب و إذا بالمساعدة في المنزل آتية إليّ تفيدني بوجود من يطلبني في الخارج، فتوجهت إليه و إذا برجل نحيل البنية متوسط الطول تبدو عليه علامات العوز و الفاقة، وكأنه في عقده السادس من العمر، و لم أذكر إني على معرفة مسبقة به أو قد رأيته من ذي قبل، فسلّمت عليه ورحبت به و هو يؤكد لي بأننا لا نعرف بعضنا، منوّهاً بأن ثمة من أرشده إليّ و أنه جاءني بناءً على ذلك لغرض في نفسه، فرحّبت به مجدداً و دعوته للدخول، و ما إن فرغنا من مراسم الضيافة المتواضعة و تبادل العرف المجتمعي(أخذ العلوم و تبادل الأخبار)، أبلغني بأن إبنه الوحيد الطالب في الصف قبل الأخير من مرحلة التعليم العام، مطلوب للمحاكمة القضائية خلال الأيام القليلة القادمة، في قضية أوقعوه فيها بعض رفاق السوء الذين مثّلوا له دور الأصدقاء المخلصين الأوفياء، إلى أن وقع في شركهم و عَلُقَ في فخهم الذي نصبوه له، ثم لاذوا مختفين دون أن تتضح لهم أية صلات أو معالم فيما وقع إبنه فيه.
وواصل حديثه قائلاً بأنه جاءني حتى أصيغ له بعض العبارات ليعمل على حفظها حتى يلقيها أمام القاضي يوم التقاضي، بحجة عدم إجادته بما يمكن أن يعبر به لمثل هذه المواقف، ولتكون كلمته كدفاع منه عن ولده لعدم قدرته مادياً بتكليف مختص بالدفاع عنه، فأوضحت له بأن النظام الأساسي للدولة كفل لغير القادرين مالياً الدفاع عنهم من خلال ندب محامٍ لهم عن طريق المحكمة المعنية و هو ما ينطبق على حالة إبنه، مؤكداً له بأني غير مختص أيضاً لصياغة مثل هذه الخطابات، فرد قائلاً بأنه لا يظن أن أحداً يشعر بمدى مرارة الموقف الذي هو فيه سواه، و أنه ربما يكون القادر بتوفيق من الله تعالى على بث ما يختلج في صدره أمام فضيلة الشيخ القاضي عن إبنه، مضيفاً بأنه طرق بابي لشعوره بتلبيتي طلبه و عدم رده خائباً، و أمام هذا الموقف المؤلم و الرجل الذي بدا لي عاجزاً يائساً منتظراً مصيراً مجهولاً يحدد مستقبل ابنه الوحيد، الذي ينتظره عام دراسي ونصف العام حتى ينتقل لمرحلة الدراسة الجامعية التي يعوّل والده هذا عليها كثيراً لمستقبل إبنه، لم أجد إلا أن ألبي له طلبه داعياً الله عزّ وجلّ أن يوفقني فيما وضعني فيه هذا الرجل الذي بدا عليه أنه يحمل هماًّ لا قبل له به، رغم أنه و من جانبي شخصياً وجدت نفسي في موقفٍ لا أحسد عليه حقيقةً، و ذلك لما يتطلبه الأمر بشأن انتقاء الكلمة الحق السواء بكل ما سيتضمنه الخطاب، و بعد أن طلبت إليه أن يصدقني القول عن بعض التفاصيل المهمة عن حياته الخاصة وإبنه وطريقة تعاطيه معه من حيث تربيته و توجيهه وسلوك الإبن الإجتماعي، لغرض صياغة ما ستجود به القريحة لأجله كأب مكسور الخاطر، طلبت إليه أن يمنحني بعض الوقت و قد حددت موعداً اتفقت بموجبه معه بمعاودتي فيه، و ما إن غادرني الرجل حتى استحضرت أدواتي الكتابية، فسألت الله الإلهام و التوفيق للتمكن من دفق الحبر على القرطاس، بالكلمات التي جاء ينشدها لديّ قارئها و بنية أن يقنع بها مستمعها قدر الإمكان و المستطاع، فشرعت في الكتابة قائلاً:-
الجزء الثاني يتبع الأسبوع المقبل بإذن الله تعالى…

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights