2024
Adsense
مقالات صحفية

بين وباء كورونا, وزلزال تركيا, والعقوبة الإلهية

عبدالرزاق أحمد الحسيني

حدثين هامّين كانا الشغل الشاغل خلال الأيام القليلة الماضية, أحدهما مستمر إلى أجل غير مسمّى, والآخر حدث وانتهى, وربما يتكرر في أية لحظة, إلا أن نظرة بعض الشعوب إلى هذين الحدثين قد تبدو غريبةً بعض الشيء.
1 – أما الحدث الأول فهو انتشار وباء كورونا القاتل:
حيث لا يزال العالم يستنفر قواه لمواجهة وباء كورونا الذي ينتشر بسرعة مريبة, ويسعى لإيجاد العلاج الذي يقضي عليه, فهو يزحف بشكل مخيف خارج الصين التي نشأ وترعرع فيها, وتغذى على عشرات وربما مئات من البشر, الذين تغذّوا على قذارات حيوانية تأنف الحيوانات منها (الرأي الراجح حسب عدة مصادر أن مصدر الوباء هو تناول أعداد كبيرة من الصينيين لحيوانات غير داجنة كالكلاب والقطط والجرذان والقرود والخفافيش).
الأمر الذي يثير الاشمئزاز والقرف مما وصلت إليه العادات الغذائية لشعب دولةٍ توصف بالتطور العلمي والثقافي والصناعي, وتسارع الخطى لتكون من أكبر الدول وأقواها وأكثرها ازدهاراً, فكيف يمكن لمراكز الأبحاث العلمية الصحية والطبية أن تبيح تناول تلك الحيوانات الموبوءة, دون إدراك أضرارها على الانسان ومدى صلاحيتها للاستهلاك الغذائي البشري؟
والملفت في الموضوع هو عجز تلك المراكز عن إيجاد دواء مضاد لوباء كورونا الذي أصبح شبحاً مخيفاً يتهدد جميع الدول على هذا الكوكب.
تنظر بعض الشعوب الاسلامية إلى هذا الوباء على أنه عقاب من الله تعالى أصاب به الصين نتيجة للمارسات القمعية بحق شعب الأيغور المسلم, وما تقوم به السلطات الصينية من احتجاز لأعداد كبيرة منهم في معسكرات ضخمة بسبب ما تسميه تلك السلطات (إعادة تأهيل).
وأن الله تعالى قد سلّط هذا الوباء على الصين لأنها ظلمت المسلمين, والله لا يرضى بالظلم, فيعاقب الظالمين ليردعهم وينصف المظلوم.
وانتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي تلك النظرة الشمولية للوباء, ولاقت تفاعلاً كبيراً بين الروّاد وبخاصة المسلمين والعرب منهم, ودعموا تلك النظرة بالآيات القرآنية والحديث الشريف, بما يناسب تلك الظاهرة, وإسقاطها على أحداث تاريخية مشابهة سابقة.
2 – أما الحدث الثاني فهو زلزال تركيا القوي (بقوة 6.8 على مقياس ريختر) الذي راح ضحيته عشرات القتلى والجرحى, إضافةً لدمار بعض البيوت السكنية في مركز الزلزال بمدينة ألازيغ.
حيث بدأت السلطات التركية بإزالة آثار الزلزال, مع تنبيه السكان بضرورة الحذر من وقوع هزات ارتدادية أو زلازل جديدة. في عدة مناطق من البلاد.
هذا الحدث أخذ منحيين سياسي وديني:
فبعض الشعوب والحكومات المتضررة من السياسات الخارجية لتركيا أو المناوئة لها, فقد نظرت للموضوع على أنه عقوبة إلهية بسبب تلك السياسات, وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تلك النظرة وصار الترويج لها هو الخبز اليومي لتلك المواقع.
أما المؤيدون لسياسات تركيا سواء من داخل تركيا أو من خارجها فوجهة نظرهم أن هذا الزلزال ما هو إلا ابتلاء من الله تعالى ليختبر صبر تركيا على تحمّل الأعباء الكبيرة الملقاة على عاتقها داخلياً وخارجياً.
وما بين هؤلاء وهؤلاء ونظرتهم للعقوبات الإلهية, لا بدّ من البحث والاستدلال عن النظرة الدينية والمنطقية والعقلية وعلاقتها بذاكرة الشعوب فيما يخص هذا الموضوع.
فيما يتعلق بالوباء: ألا يمكن أن يصيب دولاً أو شعوباً لم ترتكب أية جرائم بحق غيرها؟ ألا يمكن أن يصيب شعوباً مسلمة؟ ماذا يمكن أن نسميه عندئذٍ؟ عقاب أم ابتلاء؟
ألا يمكن أن يكون وباء كورونا مجرد كذبة جديدة اخترعتها مافيات صناعة الأدوية بالتعاون مع حكومات منتفعة من تجارة الأدوية على مستوى العالم؟
لا شكّ أن الله تعالى قد ينزل عقوبات ومصائب جماعية على شعوب بأكملها, وللتاريخ شواهد ومصادر كثيرة, سواء من الروايات الدينية أو التاريخية أو الآثار المشاهَدة في بعض الحضارات والتي توافق الرواية الدينية لها,كالطوفان, وغرق فرعون وجنوده, وحادثة الفيل.
ولكن هل كل حادثة طبيعية أو انتشار وباء أو وقوع كارثة صناعية, تعتبر عقوبةً من الله تعالى؟
وهل العقوبة تصيب غير المسلمين فقط؟ أم يمكن أن تقع للمسلمين أيضاً؟
وهل الابتلاء محصور بالمسلمين فقط؟
ربما نحتاج لتفاصيل من أصحاب الاختصاص ومن علماء الدين وعلماء الطبيعة.
يقول الله تعالى: (وكذلك أخْذُ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إنّ أخذه أليم شديد).
(وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).

وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يدعه).
لنفترض أن وباء كورونا وقع في بلد مسلم, أو أن بركاناً انفجر (كما في أندونيسيا مثلاً), فهل سيتمّ النظر إلى تلك الظواهر على أنها عقوبة أم ابتلاء؟
وما سبب تقدّم الدول الغربية صناعياً واقتصادياً وحضارياً, لماذا لا تطالها العقوبات الإلهية؟
وما سبب التخلّف والفقر في معظم الدول الاسلامية والعربية؟
لماذا نرى الكثير من الظلم الواقع على المسلمين وغيرهم من قبل دول وشعوب ظالمة, ولا تطالها عقوبات السماء؟ كم فعلت الدول الاستعمارية من جرائم بحق الشعوب المستعمَرة, وهي منذ مئات السنين تتمتع بخيرات تلك الشعوب التي نهبتها ولا تزال؟
والصين نفسها: كم مرت عليها من عقود كثيرة لم تقع تحت طائلة العقوبات الإلهية رغم ممارساتها القمعية بحق الشعوب التي تنضوي تحت لوائها منذ التأسيس وحتى اليوم؟
ملايين البشر قتلهم ستالين في روسيا, ومع ذلك لم ينلْ عقوبةً في الدنيا, كذلك في أفريقيا التي كانت مستعمرات أوروبية, عشرات الملايين من البشر تم قتلهم واستعبادهم من قبل الدول الاستعمارية, ماذا عن أمريكا التي أبادت حضارات وشعوباً بالملايين لتسكن مكانهم شعوباً أخرى وتنهب ثرواتهم؟
ولكن بالمقابل:
ألم يقتل الطاعون ملايين الأوربيين في العصور الوسطى؟ وهل كان هذا المرض نتيجةً لعقوبة إلهية؟ أم أنّ العادات الصحية لشعوب أوروبا (قلة النظافة واعتبار الاستحمام من العادات السيئة, وانتشار الجرذان المسببة للمرض دون سعي حقيقي للخلاص منها) هي المسبب الأول للطاعون؟
أم تعاني أوروبا من حروب مدمرة على مرّ تاريخها الطويل, آخرها كان الحرب العالمية الثانية؟
كما أن اعتماد هذه النظرية (العقوبة والابتلاء) بشكل مطلق سيجعل النظرة إلى الخالق سبحانه وتعالى في غير مكانها, لأن لسان الحال يقول أن الظالم لا تطاله يد العدالة, أما المظلوم فهو ممعن في تلقي الظلم, فيتساءل: أين عدالة الله؟ وربما انتظر المظلوم عشرات السنين ولا يرى الظالم معاقَباً, فيدخل الشكّ في قلبه وعقله, وربما وصل به الأمر إلى مسالك غير محمودة.
نعم إن الظالم لا بدّ أن ينال جزاء ما اقترفت يداه من الظلم, ولكنّ العقوبة والانتصاف غير مشروطة أن تكون في الدنيا بشكل أكيد, فكم مرّ على التاريخ القديم والحديث من أفراد ودول, مستمرة وممعنة في طغيانها وظلمها وإجرامها, وهي لا تزال طليقة اليد؟ يقول الله تعالى: (ولا تحسبنّ الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم إلى يوم تشخص فيه الأبصار) فلا بدّ أن تتحقق العدالة الإلهية في الآخرة بشكل مؤكد, أما العقوبات في الدنيا فهي نسبية وغير أكيدة.
إن ربط التاريخ وظواهر الطبيعة والأمراض بمبدأ العقوبة والابتلاء جعل الفكر يتحجر ويتجمد ويركن للاستسلام والتبعية دون محاولة السعي نحو تغيير الواقع الفردي أو المجتمعي.
لنأخذ واقع الدول العربية والاسلامية نموذجاً:
ما هو السر الغريب الذي جعل تلك الدول مسرحاً للحروب والمصائب والكوارث والأمراض والفقر, إضافةً لتسلّط حكامها المجرمين على شعوبهم, هل التسليم بأن كل ذلك ابتلاء من الله لتصبر تلك الشعوب؟ أم هو عقاب سماوي نتيجة ذنوب ارتكبتها؟
ألم يخطر ببال تلك الشعوب أو على الأقل علماء الدين والنخب الفكرية فيها أن أصل المشاكل هو الحاكم؟ فإن صلح الراعي صلحت الرعية وليس العكس.
ألم تدرك تلك الشعوب أن أسياد العالم من الدول الاستعمارية القديمة هي من توظف أولئك الحكام وتنتقيهم بل وتربيهم منذ الصغر لتعيينهم حكاماً على البلاد لنهبها وحرقها وإفقارها, لتبقى منطقتنا مرتعاً للحروب والتخلف والجهل والفقر؟
هل يجب على الشعوب أن تسلّم بالابتلاء والصبر على الحكام الظالمين؟
هل قام مثقفوا وحكماء تلك الدول بمحاولة إصلاح أحوال البلاد فكرياً وعلمياً أو توجهوا نحو الحاكم لنصحه أملاً منهم بتغيير الحال؟
هل الثورات التي قامت بها شعوب المنطقة للخلاص من واقعها المؤلم, وسعياً نحو الحرية والعدالة, هل جاءت بالنتائج المرجوّة منها أم العكس؟ هل زادت الفوضى والدمار وأتت بحكام أسوأ وأفظع من الحكام الذين أطاحت بهم؟
هل كانت هذه الثورات لعبةً جديدة بيد أسياد العالم, بحيث خططوا لها وتحكموا بها وبنتائجها لتركيع الشعوب وإقناعها (قهراً أو واقعاً) أن السكوت عن الحاكم أفضل من الثورة عليه, وأن ترضى بالسيء خوفاً من قدوم الأسوأ؟
هل فكرت الشعوب والنخب الفكرية بالتغيير التدريجي للواقع حسب ما تتوفر لها من إمكانات وهامش حركة أو حرية محدودة سعياً نحو هدف أسمى؟
هل ما يسمى (مشايخ السلطان) سكتوا عن ظلم الحكام تجنباً للمزيد من الظلم بحق الشعوب؟ أو حفاظاً على ما تبقى من الناس وخاصة بعد انتهاج الدكتاتوريين لجريمة التهجير القسري للسكان؟ أم أن مشايخ السلطان حريصون على مصالحهم ومكتسباتهم (وبالتالي فهم بعيدون كل البعد عن الدين وما يحمله من رفض للظلم والوقوف بوجه الحاكم الظالم واعتبار ذلك أعلى مراتب الجهاد) فباتوا يطبلون للحاكم الظالم ويبررون له ظلمه؟
100 عام مرّت على المنطقة, لم تنعم شعوبها بالاستقرار, ولم تستطع بناء مفهوم الدولة الوطنية, دولة الحرية والعدالة والقانون والرفاهية, وهي تعلم الأيادي السوداء التي تمنعها من البناء وتريد لها الخراب والفناء للاستمرار في نهبها وتدميرها, هي نفسها الأيادي التي قسّمت شعوبها وخلقت كيانات متناحرة فيما بينها لكي لا تقوم لها قائمة.
أسئلة كثيرة بحاجة لإجابات مقنعة, ربما ستتمكن الأجيال القادمة من إيجاد الإجابات التي ستجعلها تدرك أن هذا الواقع الذي تعيشه شعوب المنطقة بحاجة للتغيير, حسب الظروف والوسائل التي ستتوفر لتلك الأجيال, بعيداً عن ترقُّب العقوبة للظالم, أو الرضا بالابتلاء, أوالبقاء رهينة لواقعها مهما كان كارثياً.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights