2024
Adsense
مقالات صحفية

وسواس عصر الجمعة

خميس بن محسن بن سالم البادي

 

العاشر من يناير 2020 م من يوم الجمعة، ومدرار سماء عُمان يغيث أرض عُمان بأمر ربها غيثاً طيباً نافعاً مباركاً و لله الحمد و الثناء، و عصراً يُعلَن عن تأجيل مبارتين رياضيتين لكرة القدم كان مزمع إقامتهما يومي الجمعة و السبت، و لكن رغم الاستبشار باستمرار غيث السماء للأرض لم يُسَبّب ذلك التأجيل بسبب محدد بل تُرك مبهماً، لتسري في الجسد قشعريرة خوف لا إرادياً تنم عن حدث جلل، لتتحول إلى قلق و وسواس مع مرور بعض الوقت، يشوبه ترقبٌ حذر منتظر عن أنباءً لتبديده من ولاية السيب تحديداً ربما لما يعلمه الجميع عما كان يكون هناك، و تمر الساعات كمرور سلحفاة عجوز عرجاء تشق طريقها بصعوبة بالغة عبر رمال رأس الحد البحرية بغية وصولها إلى الأزرق المتلاطم، دون أن يلوح في الأفق ما يزيل هم ذلك الوسواس المعشش و بقوّة داخل محتوى الجمجمة القابعة فوق جسد أخذ لبه يتراقص في قفصه كعصفور كناري ينشد حريته و لا من منقذ رغم هذه الحال من هذا المآل، لتبلغ القلوب الحناجر.
حتى إذا ما تهللت أسارير الساعات الأولى من فجر السبت إذ التهيؤ للدَّب إلى بيوت الله تعالى لأداء فريضة فاتحتي اليوم(سُنّة و صلاة الفجر)، حيث يحلو للبعض استراق برهةً من الوقت قبل النهوض عن الفراش وأنا أحدهم، للإطلاع على مستجدات مواقع التواصل الاجتماعي، و ذلك عن الفترة التي أعقبت الطلاق الرجعي لهذا الجهاز اللصيق الملازم عنوةً لحياتنا اليومية.
كانت الساعة حينها تشير إلى الثالثة و أربعين دقيقة صباحاً، و حتى هذه اللحظات لا مؤشر لما يبدد وسواس الجمعة الذي كان في طريقه إلى التلاشي بعد مرور تلك الساعات باعتبار أن ذلك ما هو إلا هاجس عابر سبيل أراد قض المهجع بالوسواس الخناس في النفس الأمّارة اللوامة.
زخات من حبيبات الغيث تطرق نافذة حجرتي برقة و لطف وسط هدوء و سكينة بدء انبلاج الفجر، إلا من صوت صياح ديك ينادي من قنٍّ ما في الجوار معلناً ولوج فجر تداول جديد(و تلك الأيام نداولها للناس)، ليصل مؤشر الساعة إلى تمام الرابعة، حيث يظهر العاجل فجأة عبر شاشة التلفاز بصحبة المذيع ذلك الرجل الذي ألفناه على الشاشة منذ سنوات برزانته و رصانته و وقاره و صوته الأجش الرخيم، ليتلو النبأ المزلزل للنفس و الكيان و نحن نقرأ معه ذلك المخطوط العاجل بلونه الأبيض المؤطّر باللون الأحمر، الذي نفسره بأنه نزفاً للقلوب التي أصابها الرمح المدبب لتقطر أحمراً على فراق المحبوب، و لما يمثله ذلك من فظاعة و جسامة الحدث و المصاب على المقهور المغلوب.
لقد تبدد الهدوء و تلاشت السكينة و تسمّرت الألسن في الأفواه من هول صدمة الرحيل، التي عزاؤنا لهذه الفاجعة.. إنه أمر الله المُطاع و إرادته الربانية حيث لا رادّ لقضائه.(و إنا لله و إنا إليه راجعون).. اللهم صبرك..
إذاً ستغادر أيها الشهر الكئيب الذي جئتنا كعادتك بعد أن أخذت منا هذه المرة قطعة غالية على عُمان قاطبة، أخذت الرجل الطيب الذي بدأ الرحلة الشاقة لأجلنا و ختمها برحيل هادئ لأجل ذاته مع ربه ( رحمه الله تعالى و أسكنه فسيح جنانه)، تمخضت عنك هذه المرة أيها اليناير ولادة سنة و ليس عام نعم هي سنة القحط و الشر كما بيّنها تفسير كتاب الله عز وجل بل هي السنة الكبيسة أيضاً، لما يحمله أخيك الثاني فيها من الأيام التسعة والعشرين، فمنذ أن عرفتها بكبيستها هذه لم استبشر خيراً.. و رغم أنك سترحل إلا أننا لن ننسى ما حدث لنا خلالك و ستكون ذكرى عودتك كبيسة كسنتك هذه..  لله الأمر من قبل و من بعد و الله المستعان.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights