الكد على العيال
خولة الكردي
لا يعرف الأبناء قدر آبائهم وأمهاتهم في تفانيهم للبحث عن لقمة عيش، تسد رمقهم وتعينهم على الحياة وصعوباتها، حتى يشبوا معتمدين على انفسهم مطمئنين على مستقبلهم، فربما لا يتبادر الى أذهان الأبناء المعاناة التي يتجرعها الأباء والأمهات ، لأجل ان يروا أبنائهم يعيشون حياة هانئة سعيدة، مترفعين عن حاجة الناس.
فالأب الذي يخرج من الصباح حتى المساء لإلتقاط رزقه وتامين متطلبات اسرته، انما هو أب مجاهد مكافح يكد ويتعب لأجل أولاده، فمسئولياته كبيرة والثقل على ظهره ازدادت حمولته و الإنهاك أخذ مأخذه منه، والعرق يتصبب على جبينه، من أجل ماذا؟ من أجل رغيف خبز يطعمه لأبنائه، ولأجل إدخار مالاً لحفظ ماء وجههم أمام الناس.
إن سر الطمأنينة التي يشعر بها الأبناء إنما منبعه التعب الذي يتعرض له الوالدين، حتى يروا أبنائهم في سعادة وراحة دائمة، ولكن هل يقدر الأبناء تعب آبائهم وأمهاتهم جيداً؟! فكم عانى الآباء من عدم تقدير أبنائهم لتضحياتهم وأوجاعهم، وكم تنكر أبناء لابائهم لمجرد سوء تفاهم بينهم، وإن كانت حالات نادرة في بعض المجتمعات الإسلامية، إلا أن الأجر والثواب عند الله لا يعادله أجر، لأنهم كدوا وتعبوا وذاقوا الأمرين ليشب أبنائهم أقوياء معتمدين على أنفسهم.
لن يضيع الجهد والمشقة التي واجهها الآباء في سبيل رعاية أبنائهم، وإنتشالهم من شبح الفقر والحاجة، لن يضيع أبدا بل سيردها الأبناء الصالحين ويتعبوا عليهم كما تعبوا وعانوا لأجلهم، لأنهم لم يقصروا معهم في يوم من الأيام، واجهوا اصنافاً من البشر ربما تعرضوا لمهانة او كلمة نابية من هنا او هناك، لكنهم صبروا وتحملوا، لانهم يتخيلون أبنائهم أمامهم فليس بمقدورهم، إلا أن يحافظوا على مصدر رزقهم ويعضوا عليه بالنواجد، كي لا يبيت ابناؤهم يتوسلون نظرة شفقة من هذا او ذاك، او نظرة عطف من جار او قريب، الرزق على الله هذا اكيد، ولكن الرزق يحتاج الى سعي وكد وجهد وعرق، فليس لديهم خيار سوى الصبر وتحمل عناء العمل وقساوته، كي لا يضطر ابناؤهم العمل في سن مبكرة، ويتعرضون لمصاعب ومشاق هم في غنى عنها.
إن الكد على العيال أجره عظيم عند الله، فالأب الذي يكافح ويعمل ليل نهار، والأم التي تتحمل الكثير لأجل تربية ابنائها، لن يضيع تعبهما سدى وسيثيبهما الله، لأنهما لا يطلبان أجرا من ابن، بل يعرفان أن اجر تعبهما مدخر عند الله، ولا يضيع أجر احد عنده، بل يبغيان البر والرعاية من أبنائهم ولو بكلمة طيبة او نظرة حانية، واليكم هذا الحديث الذي هو بمثابة بشرى للاباء والامهات في مجتمعاتنا الاسلامية، الذين يكدون ويتعبون على أبنائهم، ولكل من ينفق على الأهل والعيال مبتغين وجه الله، فعن ابي هريرة قال:
(قال الرسول صلى الله عليه وسلم: دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، اعظمها اجرا الذي أنفقته على أهلك) أخرجه مسلم في الصحيح.