2024
Adsense
مقالات صحفية

التكامل الثقافي عند العالم الصوفي محمد زكي إبراهيم

د. علي زين العابدين الحسيني الأزهري
باحث وكاتب أزهري

 

تعدّ ظاهرة الفصام المعرفي أو المنهجية الجزئية ظاهرة عصرية أصابت عقول المختصين بالعلوم الشرعية منذ أمدٍ بعيد، وساعدهم على ذلك الدراسات الأكاديمية المتخصصة، مما أدى إلى تمزيق النسيج المعرفي المتكامل.
وقد يغيب عن الكثير الشكل الأمثل لتنظيم الثقافة، والوصول للمعرفة، والتدرج في التخصص مع مراعاة الأخذ بالمعرفة المتكاملة، والولوج في الثقافة العامة وصولاً إلى امتلاك زمام مواد التخصص والتكامل المعرفي العام، والإلمام بالثقافة العامة، وهناك نماذج رجال يمثلون شمولية المعرفة والنظر في كثير من علوم الدنيا إلى جانب تخصصهم الشرعي.
ومن هؤلاء الرجال الموسوعيين الإمام الرائد الصوفي محمد زكي إبراهيم رائد العشيرة المحمدية، حيث يمثل رأس مدرسة أزهرية تنوعت معارفها، واكتملت منهجية ثقافتها، حتى وصفت بالثقافة الواسعة التي تجاوزت مجالات العلوم الشرعية؛ لتتسع للأدب والرواية والشعر والموسيقى واللغات العالمية.
ولد الشيخ محمد زكي إبراهيم الحسيني الأزهري في القاهرة بمنزل والده في ١٩٠٦/٨/٢٢م لأبوين شريفين يعود أصلهما للإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما، وكان والده من علماء الأزهر، وتدرج تعليمه في الأزهر حتى تخرج منه، وحصل على العالمية القديمة من الأزهر في الفترة بين 1926-1930م.
عمل الشيخ مفتشاً للتعليم بوزارة التربية والتعليم، ثم أستاذاً بالدراسات العليا والمعهد العالي لتدريب الأئمة والوعاظ، وعمل مدرساً بالمدرسة الألمانية بالقاهرة، وحاضر بالدراسات العليا في بعض الكليات الأزهرية.
اتهم البعض الشيخ بأنه شيخ أزهري (معمم ومقفطن) لا يعرف من علوم الدنيا شيئاً، وقد ردّ الشيخ على هذا الاتهام بما يفنده ويبطله، ويبين العقلية الأزهرية في هذا الوقت، وهي العقلية الموسوعية والثقافية المنفتحة على عقول وعلوم وثقافات غيرهم.
ذكر الشيخ في معرض رده على هذه الفرية أنه قرأ تاريخ الإسلام والفلسفة، ونشوء الفرق والنحل، وتطور تاريخ المسلمين، كما أنه يتابع أدباء العرب وقصاصيه وناقديه، كما درس ملامح الفن القوطي، وتدرجه إلى الريسانس، إلى الكلاسيكية القديمة فالجديدة، إلى الرومانتيكية إلى التأثرية إلى الواقعية إلى الرمزية إلى الالتزامية إلى التجريدية.
واستطرد الشيخ في حديثه، وأنه يعرف بيكاسوا في التصوير، وأندريه في الأدب، واسترافنسكي في الموسيقى، ويتابع الشيخ محمد زكي إبراهيم حديثه بأنه يقرأ لشكسبير، وبوب وشيلي وبيكون وهيجل وفلامريون وجيته ونيتشه إلى سارتر وسومرست موم وبرتراند رسل.
كما أن الشيخ يقرأ لرونسار وفارلين ورامبو وبودلير، ويفرق بين لوحات جنيسبورو ورينو لدزر، ويميز في مدارس الموسيقى بين صامويل جونسون وبوالوا، ويعرف كل ما يتعلق بفن المسرح والسينما، ويلمّ بالكثير من ثقافات الشعوب الأخرى، كما أنه يجيد عدة لغات عالمية حية ويتكلم بها كما يجيدها أهلها، ويعتني بالمدارس الأدبية العالمية.
ولم يكتف الشيخ بالقراءة، حيث اشتغل بالكتابة في الصحف والمجلات (العامة والأدبية والإسلامية) منذ أواخر العشرينات؛ فكتب في مجلات: الأزهر، ومنبر الإسلام، واللواء الإسلامي، والمسلم، والأهرام، والأخبار، والجمهورية، وغيرها من المجلات، وتنوعت مقالاته بين الدينية والاجتماعية والتاريخية والأدبية والسياسية، وكان منها المقال الصحفي والبحث الأكاديمي، وشارك في تحرير وتأسيس بعض المجلات.
تميز منهج الشيخ محمد زكي إبراهيم بالتكامل الثقافي والفكر الشمولي، وهو ركن من أركان مدرسة مكتملة الأركان في المعرفة والثقافة لدى علماء الأزهر إلا أنها في حاجة لدراسة مستفيضة، وتفسير لعظمة العطاء المعرفي والبناء الثقافي ضمن ظروف عصرهم الزمانية والمكانية، حيث لم يكتفوا بالتخصصات الشرعية، بل تجاوزوها لتشمل العلوم الدنيوية.
وهذا الأمر بينه الشيخ محمد زكي إبراهيم حينما ختم رده بقوله: “فلست بمقمقم ولا مقوقع ولا جامد، ولا متخلف بحمد الله، إنني أعيش في عصري، مندمجاً فيه، ثقافة ودعوة ومعاشاً، غريب عنه أخلاقاً وعبادة واتجاهاً، ولكن على قدر مقدور، لا بد منه للدعاة إلى الله”، وهو بذلك قد جمع رحمه الله عزّ وجلّ بين العلوم الشرعية المتخصصة وفنون الثقافة المختلفة، وهو الأمر الذي نحتاجه الآن.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights