التربية الخلقية ودورها في ترسيخ الفن الحقيقي
خولة الكردي
khawlaalkurdy@gmail.com
يعتبر الفن إحدى الوسائل التي استخدمها الإنسان للتواصل مع غيره وللتعبير عن ثقافة مجتمعه، فالفن ظهر في أوائل القرن العشرين، لكنه كان يأخذ أشكالاً مختلفة تبعاً للمراحل التي مر بها، ففي مراحله الاولى كان الشعر هو أحد أوجه الفن، حيث دأب الشعراء على إلقاء القصائد والمعلقات في سوق عكاظة، والتركيز على المثل والقيم التي كانت سائدة وقتها، كالشهامة والمروءة والكرم، وفي إلقاء القصائد كان يدور في خلد المستمعين تمثيلية أو مسرحية تترجم ما يقوله الشاعر أو القاص.
الفن الحقيقي ورابط التربية
فإرتباط الفن بالأخلاق والتربية كان ولا يزال الأساس في تقييم الفن الحقيقي، فالفن الحقيقي لا يمكن أن يضع مدماكه من غير مبدأ أو قيمة يستند عليها، لأن الفن تياره قوي وتأثيره لا يستطيع أحد اغفاله، لذلك بات من الضروري تغليف الفن بلمسة تربوية، فهو لن يكون فنا بمفهومه الذي يرقى بمشاعر الإنسان وأفكاره وتطلعاته ما لم يكن معبراً مخلصاً عن مجتمعه بتربيته وعقيدته ومبادئه، وعلى مدى عقود مضت، ظل الصراع محتدماً بين ما هو رائج وبين تحديات الواقع الاخلاقية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها….. أصبح الفن هو البوتقة التي ينصهر بداخلها ذلك الصراع المحتدم.
الأعمال الفنية الهادفة
لا يستطيع أحد أن ينكر دور الحركة الفنية النشطة على الساحة العالمية، حيث شهدت الآونة الأخيرة، أعمالا فنية تحاكي الواقع الإنساني بمفهومه التربوي والخلقي، فكثير هي الأعمال التي حازت على جوائز عالمية، لكن نادرا هي الأعمال التي خاطبت عقول المتلقين، وأحدثت تغييرا انعكس بشكل ايجابي على تربية النشء والأجيال المتعاقبة، وكثير هي الأعمال الفنية التي ازدحمت بها شاشات التلفاز ودور العرض بلا هدف أو قيمة تربوية او خلقية او حتى اجتماعية، ليستقي منها الجمهور المرجو والمفيد.
إن التربية باتت ضرورة ملحة على صناع الفن والسينما وضعها موضع الدراسة والتطبيق، فضياع الهوية التربوية الأصيلة أضحت السمة الرئيسية في معظم الأعمال المقدمة والتي يشاهدها ملايين البشر، وما التشتت الذي تعيشه الحركة الفنية من نزاع بين الأهواء والمصالح وبين عمق الرسالة التربوية والتي تفرضها البيئة التي عاش فيها الفرد ونشأ وترعرع داخلها، إلا نتاج ذلك الصراع،فبالرغم من تدني مستوى بعض الأطروحات المقدمة، والتي أصابها الخلل فلم يستطع معها منظروا الفن الأصيل أن يرتقي بما تومن به المجتمعات الإنسانية، فتشطح بها إلى مسالك ودروب بعيدة، تزيد من تشتت وضياع عاشته وتعيشه تلك المجتمعات، إلا أنه لا زال الأمل معقود على أصحاب الفن والذين يمثلون الروية الحقيقية لمبادئ وقيم مجتمعاتهم المستمدة من جذورها التربوية المتأصلة. ومن هذا المنطلق يستلهم الفن روحه وأصالته من أصول التربية، والتي تأخذ بيده إلى الاستقرار والأمن الاجتماعي والنفسي.
الحاجة إلى أعمال فنية بناءة.
اننا بحاجة إلى أعمال فنية تعيد بناء المفاهيم والتصورات التي اختلطت بمفاهيم وتصورات عفي عنها الزمن، وباتت في طي النسيان ولم يعد لها أي تأثير في عالم الانسانية والواقعية. إن تفعيل العناصر والمكونات الهامة سواء البشرية أو المادية، لمن الضرورة في مكان لتدعيم الفن الحقيقي المنبثق عن الأصول التربوية للمجتمعات الانسانية، ليكون معبرا وبصدق عن الأمانة الملقى على عاتقه ممثلا حقيقيا عما آمن به الإنسان وتربى عليه. ومن هنا فنحن بصدد إبراز الدور الذي افتقده المشاهد والذي من المفترض أن يطلع به الفن والفنانين. فما الفن إلا سفير دائم يقع عليه مسؤولية نشر التربية الأصيلة المنسجمة مع ما نادت به الحضارات المتلاحقة على مدى التاريخ.