الإعاقة المجتمعية
لطيفة محمد البوعينين
تناول عدد كبير من المتخصصين والمهتمين موضوعات الإعاقة وشؤونها من نواحي مختلفة، وأعدوا فيها الدراسات والاستطلاعات والبحوث العلمية التي لها الفضل الكبير في ما وصل إليه الوعي حول الإعاقة وذويها إلى ما هو عليه اليوم، فلهم منا كل التقدير والامتنان لكل مجهوداتهم الجبارة وإنتاجاتهم العامرة.
لقد قاموا بتعريف الإعاقة وتقسيمها حسب موقعها في جسم الإنسان، كالإعاقة السمعية، والبصرية، والحركية، والذهنية، وغيرها من الأنواع المتفرعة منها، وأفردوا لكل نوع دراسات تفصيلية، وتحليلات بيانية، ومعلومات إحصائية، وإرشادات توضيحية حول كيفية التكيف والتعامل معها دون أن تكون عائقاً يمنع أصحابها من أن يعيشوا الحياة كما يحبون.
ومع كل تلك المجهودات المبذولة، نجد أن الإعاقة الأكبر التي لم توفها المجهودات حقها هي الإعاقة المجتمعية، إذ أن مشكلة ذوي الإعاقة ليست في الإعاقة ذاتها بقدر ما هي في المجتمع نفسه الذي قام بتهميشهم وإقصائهم وحرمهم الكثير من الفرص، التي يستحقونها كطاقات معطاءة، وحكموا على أوضاعهم بناءً على تفكيرهم الشخصي الذي يجانب المنطقية في أغلب الأحيان، فمثلاً، نجد البعض يستغرب من استخدام المكفوفين لأجهزة الحاسوب والهواتف الذكية، ونجد البعض الآخر يستغرب كيف أن باستطاعة الكفيف أن يكتب على لوحة المفاتيح دون أن يراها، معتمداً فقط على حفظه لمواقع الأحرف والأرقام، لقد حصروا كل تفكيرهم في حاسة البصر فقط، دون أن يلقوا ولو نظرةً خاطفةً على ما يملك من حواس مساعدة وقدرات مساندة تكون أكثر تركيزاً في حالته.
ما زال المهتمون والمتخصصون في مجال ذوي الإعاقة يبذلون ما بوسعهم في إعداد الدراسات وكتابة المقالات العلمية والتوعوية، ولم نزل بعيدين عن المستوى المنشود في وعي المجتمع حول الأشخاص ذوي الإعاقة من أنهم أشخاص طبيعيين إذا ما توفرت لهم البيئة المناسبة والتقنيات المساعدة التي سهلت لهم القيام بمهام عظيمة، ما كانوا قادرين على أدائها لو لا تلك التقنيات.
ليس هناك شخص معاق، بل هناك مجتمع معيق، يبني أحكامه على تصوراته المجردة بأن يضع نفسه مكان المعاق ويتخيل نفسه كيف سيقوم بالمهمة بوجودها، وهذا هو الخطأ الأكبر الذي لا يمكن القبول به، فقد منح الله الإنسان عقلاً يعينه على التفكير الأمثل وإيجاد الحلول الأفضل لمواجهة كل الظروف، وما كنا سنحيا ونتكيف مع مختلف مواقف حياتنا لو لا ذلك العقل المتقد في كل واحد منا.
لكل شخص منا مزايا وعيوب، ولكل منا قدراته الخاصة التي قد لا يجيدها غيره كإجادته هو لها.
من حق كل إنسان أن يُمنَح الفرصة لكي يقوم بما يدعي قدرته عليه، فإن استطاع ذلك فهو الجدير، وإن لم يستطع فإن الكمال لله وحده.
إن الإعاقة الحقيقية هي الإعاقة المجتمعية، وليست تلك التقسيمات التي وضعها المختصون رغم أهميتها، فهي من السهل بمكان التعامل معها وتجاوز آثارها قدر المستطاع، لكن الإعاقة المجتمعية يبقى أثرها على الدوام ما دام لم يغير نظرته السلبية وتفكيره السطحي تجاه الأشخاص الذين يملكون بعض الاختلافات التي تميزهم أكثر من أن تعيبهم في الواقع.
كل أملنا في أن تتعاظم جهود ذوي الإعاقة والمختصين والمهتمين بشؤونهم في نشر الوعي بشأنهم وواقعهم، وتقبل المجتمع لتلك الأفكار المنطقية التي يسعون جاهدين لإيصالها، لتتغير تلك النظرة إلى الأفضل، وذلك التفكير إلى الأعقل، لنصل بهؤلاء المتميزين إلى ما يستحقونه من تطور ونماء، ولا شك في أننا على ذلك قادرون.