ذكرى وذكريات 2
حمد بن سيف الحمراشدي
إلحاقاً للمقال السابق وفي إطار العنوان أعلاه وحيث أن الذكرى والذكريات مهما كتبنا عنها لن نستطيع التوقف، ولن تسعفنا ساعات الكتابة ولا حبر الأقلام أو حتى أزراز جهاز الحاسب الآلي والهاتف لتكفى، فدوما هناك المزيد.
وكما مر بخيالي ذكرى توالت بعدها ذكريات شتى نجد فيها متعة التذكار وكأننا نعيشها من جديد وبثوب جديد.
مع المعلم والمعلمة والفترة التي نقضيها في بدايات الحياة في المدرسة من عمرنا هي من أهم الفترات التى تعلق بفكرنا وعقلنا بذكريات قلما يستطع البعض نسيانها.
المعلم كيف ينسى ؟ لا يمكن طبعا في حال أننا نقدر قيمة المعلم والعلم والمدرسة.
في عام ١٩٧٢م كنا نفترش الرمل الممزوج بالحصيات الناعمة إلى حد ما، ويستظلنا بناء من سعف النخيل لقيقينا حرارة الشمس ونقضي تحته وقت الدراسة حتى وقت الظهر .
العريش كان لنا مريحا حين نجلس على رمله وحصياته ونكتب فوق أعلى الركبة بقلم الرصاص، حتى تم توفير طاولات خشبية حمراء وصرنا نكتب بقلم حبر جاف.
كان العريش يحمينا من حرارة الشمس، ولكن لم يحمينا من عصا المعلم الذي كان يعمل بحب وإخلاص وعصا قصاص في حالة إننا لم نؤدي ما علينا من واجبات مدرسية، وكان في ذلك الوقت خليط من المعلمين من الرستاق ومن مختلف مناطق السلطنة ومن مصر والسودان وغيرها.
ومن السودان كان لنا معلم اللغة العربية يدعى عبد الكريم من مدينة أم درمان، كان شاب أنيقا شكلا وخلقا وعلما وثقافة ومن أبرز المعلمين تألقاً وحرصاً في تعليمنا وهذا المعلم كانت له هواية القراءة والإطلاع في كل ما يمكن الحصول عليه من أي مصدر من مصادر القراءة في ذلك الوقت وجمعتني معه نفس الرغبة والهوية، وشجعني كثيراً في الكتابة ولو بأبسط الأساليب، وكنا نذهب سوية إلى العاصمة مسقط في نهاية كل أسبوع لنشتري الصحف والمجلات ونقضي الوقت من الصباح حتى الليل في الطرق ومن شاحنة إلى مركبة إلى سير بالأقدام لكي نتمكن من شراء حاجتنا من مصادر القراءة، أذكر منها مجلة العربي والأسرة وعمان.
ومضت السنين وعاد معلمي إلى وطنه وقد ترك أثرا ثرياً في كل شي، علمنا كيف نقرأ وكيف نكتب وكيف نخاطب، وكيف نحلق بفكرنا لنجعل القلم يتحدث أو يتكلم بدلا من اللسان .
عبد الكريم محمد عبد الكريم كان ضمن مجموعة معلمين من خارج الوطن في تلك السنين.
ذكرى لن أنساها هي تلك التي ساعدتني للإلتحاق بجريدة عمان في مطلع عام ١٩٨٠وحتى ١٩٨٩م، كتبت من خلالها، ولازلت أكتب الكثير في الشعر والنثر والقصة والتحقيقات الصحفية والأخبار اليومية، وسافرت إلى شتى الولايات لألتقط خبر أو أكتب شيء ما، ولازلت أيضا أجد نفسي كاتباً حين يغذي ذاكرتي جناحي الطيران العماني مسافراً إلى أنحاء العالم.
عبد الكريم أغلى ذكرى وأعظم الذكريات معه وحاولت التوصل إليه بشتى الوسائل ولم أفلح ولكن يبق في الذاكرة لن ننساه كما لن ننسى ذلك العريش من سعف النخيل الذي تعلمنا تحته وحال بيننا وبين حرارة الشمس، ولم يحل بيننا وبين حرارة الصيف، وحرارة عصى عبد الكريم.