أحقاد مدفونة
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
تفرض مجموعة الأحاسيس التي تختلج في النفس – بسيئها وحسنها – ممارسات كثيرة تظهر على شكل أقوال، وقد تتطور إلى أفعال، وهذا كله يحكمه مستوى الضغط الذي تمارسه هذه الأحاسيس على صاحبها، وفي الأوقات الحرجة جدا يصل هذا التفاعل على الذروة، وهذه الأوقات هي مجموعة الظروف التي تمر على الإنسان؛ فتوجد فيه ردات الفعل المختلفة لتصل به إلى سلوك الفعل المشين، وهذا أمر واقع يعيشه كل إنسان، فليس هناك، منا، من لا يقع في مطب مختلف هذه الأفعال التي تظهر في وقت ممارستها سيئة، وتقيم على هذا الأساس، وإن كانت مبررات القائم بها تشعره، في لحظة ارتكابه لها، على أنه على حق، ومن حقه أن ينتصر لرأيه، ولقناعاته، بغض النظر إن خالفت قناعات الآخرين وآرائهم، فهو الأدرى بحق قناعاته، وممارسته لها، في أي لحظة، أو موقف، أو ظرف، ينتصر فيه لذاته المهدرة كرامتها، كما يعتقد، هذا أمر شائع عند الناس، ومقبول أيضا كأحد الممارسات الإنسانية التي نعيشها جميعا.
والمستنكر هنا، ليست هذه الصور، وإنما هو التوقيت، أحيانا، والحرص عليه، أحيانا أخرى، وصلافة الممارسة أو الحرص عليها، أحيانا ثالثة، هذه الصور الأخيرة، تفرغ بعض المبررات عن مضمونها، وتقيم على أنها انتصارات شخصية، وعلى أنها أنتقام، وعلى أنها تعكس أنفسا قلقة أكثر من أنها متوازنة، تختار الوقت المناسب لممارسة فعلها وإن كان مشينا، ولا تتقبله الفطر السليمة، والنفوس المطمئنة، وهذا بالتالي يعكس هذه العجلة عند الإنسان بشكل عام، فهو “العجول” دائما، وهو “الهلوع” أبدا، وإلا لما ظهرت على سطح الممارسات الإنسانية هذه الأفعال التي تعكس هذه الأحقاد المدفونة في النفوس، والتي تظهرها مجموعة الأفعال والأقوال.
ومما يذكر في مواقف في هذا الجانب، أن احد الأولاد الصغار يقول لأحد الكبار، يا عم ما رأيك في (وقد ذكر له مسألة ما) فرد عليه أسأل أباك، وأبوه رجل بسيط، قد لا يفقه شيئا من تلك المسألة كما بين الراوي، ويصف الراوي أن أسلوب الرد كان جافا، وحانقا، وكأن السائل ارتكب جرما ما، عندما طرح السؤال، وموقف آخر: أن طالبا في إحدى الصفوف الأولى يقترح على مدرسته أن تنظف طاولة الصف إحدى العاملات في المدرسة، انطلاقا من حضور عاملة المنزل في ذهنه الطري، فردت عليه المدرسة أن عليك أن تتصل بأمك لكي تأتي لتنظيف الطاولة، طبعا الطفل لم يع ما ترمي إليه المدرسة، كما هو حال الولد في المثال السابق، وقس على ذلك أمثلة كثيرة نصادفها يوميا من أناس نصطدم معهم بسؤال، أو بموقف، فتأتي الإجابات صادمة وجارحة، وما تعكسه هذه الأحقاد المدفونة في النفوس، وكأن أصحابها ينتظرون اللحظة المناسبة للإنقضاض على فرائسهم، في حالة تصعق الحضور الإنساني، ولا تترك له موضع قدم، وهم بذلك لا يتسترون خلف اقنعتهم الملونة فقط، بل يعكسون واقعا إنسانيا مزريا ما كان ينبغي أن يكون له هذا الحضور القاسي على تعاملات الناس فيما بينهم، وما كان ينبغي أن يبقى أصلا جاثما في الصدور، خاصة بعد، كما يفترض، أن قطعت البشرية عمرا جميلا من الوعي بالكثير من المنغصات التي تقوض العلاقات بين الناس، وبالكثير من المهالك التي تورد الناس موارد الردى، وكأننا، دائما، نحن إلى شريعة الغاب، التي يأكل القوي فيها الضعيف، وخالق الخلق يقول في محكم كتابه العزيز: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم).