ظلموني ورموني…
إلهام السيابية
كفكفت هيام دموعها ، لقد تعبت من البكاء الذي لا طائل منه ،بماذا سينفعها الان ؟
لم يعد يهمها الأمر ، عليها أن تفكر في نفسها فقط ولا يهمها نظرة الآخرين لها ، المهم أن تبقى مثلما هي ، وعليها أن تثابر لتحقق أهدافها وطموحاتها ولا تبقي لكلام الآخرين اي أثر في نفسها ، انها في مرحلة دراستها الأخيرة ، لن يحطموها الان بعد كل ذلك النجاح الذي رسمتة في حياتها ، لن تجعل لكلام الناس سببا في تراجعها وسقوطها ، تعرف ان وليد لن يسامحها ولكن بعدها عنه أفضل حل لكليهما ، لن تبخل على نفسها بالعطاء ،٠ سترفع نفسها بنجاحها ، لن يهمها كلام الناس مهما قالوا ،كانت تتحدث مع نفسها بإصرار وعزيمة بينما كانت تقف بجانب نافذة غرفتها وهي تنظر لأسفل الشارع ، انها مركبة وليد؟
ماذا يفعل هنا؟ رن هاتفها .
أنا في الخارج، اتركي كل شيء وتعالي معي .
هل جننت ؟؟
انا متأكد من حبك لي ؟ لن يقف أحد في طريقنا ..
وهل هكذا تحافظ على من تحب ؟؟
لن أتزوج غيرك ؟
اذهب للبيت يا وليد لا اريدك ان تكون عاصي لوالديك ، فانت رجل شهم .صادق ،وامين على من تحب .
وانتي ؟
وتلعثمت الكلمات في لسانة وهو يكمل :
سامحيني ، لقد خذلتك.
وشعرت بالهاتف المحمول يرمى جانبا وصوت صرختة المدوية في المكان ، استمعت لصوت محرك المركبة وهو يديرها ويفرملها ويلفها باستدارة كاملة عدة مرات ،لينطلق بقوة للشارع العام .
شعرت بالخوف عليه ..مسكين كانت المفاجأة كبيرة عليه.
رمت بنفسها على سريرها وهي تبكي بحرقة ، انها المرة الأولى التي تكره نفسها .
وليد حب طفولتها وظل حبه يتغلل في نفسها إلى أن أصبحت فتاة جميلة ، غرست أمها الطيبة ، الصدق، وكيف تعامل الناس بسياسة ومحبة و كيف تكتسب الثقة واحترام الآخرين وها هي الآن،، الكل يشهد بجمالها وأخلاقها وحسن تربيتها ،وتقدم لها وليد الشاب الذي طالما شغل بالها وقلبها ولم تسعها الفرحة عندما حدثها بانه يحبها ويريدها زوجة له ولكن أمها لم تستقبل ذلك الخبر مثلما توقعتها بل قابلتها بوجه عابس و حزين وهي تقول لها: لاتتسرعي ،لربما أهله لن يوافقوا او..
تفاجأت هيام من ردة فعلها فقالت لها مقاطعة :لما ؟
كانت امها تبكي بحرقة انها المرة الأولى التي تراها هكذا ، ماذا حدث ؟؟
كم تمنيت أن يأتي هذا اليوم ولكن لم أتخيل أن يأتي سريعا هكذا ،اخذتها أمها في حضنها وهي تقول : أريد أن اخبرك سر طالما اخفيته عنك كل هذه السنين ، ولكني لا استطيع ان أخفيه أكثر من ذلك ، فصاحت بالم :انت لست ابنتي ياهيام.
ما هذا الكلام الذي تقولينه؟
لقد ربيتك في حضني وكنت ابنة شهر اخذتك من المستشفى وتبنيتك وها انت الان عروس جميلة .
انا لست ابنتك؟ كيف ؟ كل ماعشته كان كذبة كبيرة في حياتي
كل ذلك الحب ؟
لم تشعر بنفسها وأغمي عليها ولم تستفيق إلا في المستشفى وأمها معها خائفة عليها .
الحمدلله ، فتحت عينيها ، ياعمري انت ابنتي التي لم أنجبها ولكني حملتك منذ طفولتك و ربيتك بين يدي وامام عيني ولم احرمك من شيء كل ما كنت تطلبينة تجدية ، قولي لي فيما أذنبت؟ وأخذت تبكي بحرقة وهي تتشنج بقوة
أذنبت عندما اخفيتي عني الأمر، كان عليك أن تخبريني منذ ان بدأت الم بكل ماحولي ، لكي لا أحلم مثل البقية ، ولا أحب ولا أفكر في شيء إلا نفسي ودراستي فقط، اما الحياة الأخرى فلتكن اخر اهتماماتي.
كان وليد في قمة سعادته لينقل لأهله خبر حبه لهيام ورغبته بالزواج بها وصدم حين عرف بخبر وجودها في المستشفى . وقع الخبر عليه كالصاعقة، الكل يعرف الا هو ان هيام في الأصل لقيطة وليست ابنة العمة بتول ، ولكنه يحبها بجنون ، أين يذهب ؟؟ للمستشفى ليراها ‘؟ ولكن أهله منعوه من الذهاب ، فبمجرد ان أخبر والداه بانه يريد هيام زوجة له ضحكت أمه وهي تقول رافضة : هل جننت ؟؟
لما ؟ الا تحبينها ؟
بلى ولكنها لقيطة ليس لها أصل معروف.
دارت به الدنيا ،وأصرت امه على ابتعاده عنها وخيرته بينهم وبينها .
و مرت الايام تركض مسرعة . لتتوج هيام كأفضل خريجة في تلك السنة ، ولكن فرحتها لم تكن مكتملة ، بالرغم من أنها حصلت على تقدير امتياز ،لم تشعر بطعم النجاح، بل بمرارة الحياة، وأحست بفراغ كبير لعدم وجود من تحب معها ، ولكنها تجاهلت ذلك الشعور لتضع نصب عينيها شيء واحد فقط “ماذا سأكون” ؟
عرفت من امها ان ام وليد تريد أن تزوج ولدها وهو رافض لفكرة الزواج الا بمن يحب.
بعد التخرج بدأت هيام في عملها الخاص ، ففتحت (( بهجة الافراح )) مشروعها المتميز كمهندسة ديكور متميزة بأفكارها الجديدة ،بدأت بفكرة متواضعة برأس مال صغير ، تستقبل الطلبات لتزيين جلسات الأعراس والأفراح والمناسبات الخاصة . وأصبحت ذات صيت معروف من النزاهة والمصداقية ، والوضوح في التعامل .
كانت ترتشف كوب القهوة في مقهى قريب من البحر ، تاتي إليه لتستجمع افكارها وتتصفح جريدة الصباح في هدوء وسكينة ، فاجاها صوت لم تسمعه منذ سنين؛
_ هيام؟
رفعت رأسها متأملة وجها لطالما أحبت النظر اليه واشتاقت لسماع اخباره ،
وليد اهذا انت ؟؟ لم اعرفك في البداية ، ربما بسبب اللحية ولكن صوتك مميز.
وتتالت اللقاءات وكأن القدر جمع بينهما من جديد ليجددا عهد الصداقة التي ولت منذ سنين طويلة ، بقيت لقاءتهم في حدود المقهى لم تتجاوز ذلك،ثم فاجأها يوما قائلا :
هل توافقين على الزواج بي يا هيام ؟
فاجأها سؤاله الذي لم تتوقعه وخاصة بعدما عرف بحقيقة اصلها.
انا ؟؟انا أتمنى لك السعادة ،
انت سعادتي ،حاولت امي ان تزوجني ولكن انت من اريد لا أريد غيرك ، كنت كالتائه الغريق في بحر متلاطم من القيل والقال .
بالضبط هذا ما قصدته.
انت انسانة محترمةوخلوقة وذات خلق وذات دين ، لا أحد يختار أهله ولا الأبناء يختارون أهلهم، ولكنا ولدنا لنعمر لا لنهدم، لنؤسس عائلة مترابطة بالحب والحنان والاحترام ،وهذا كله أجده معك.
الن تسأل أهلك ؟
ابي قال لي من البداية ، انت مسؤول عن اختيارك و تتحمل نتيجة اخطاءك ، أما امي لن أخدعك واقول انها قبلت بسهولة ولكنها راجعت نفسها ووافقت خوفا من ان تخسرني ، فانا لن أتزوج الا ممن احب .
لو كنت مكانك لتراجعت، لا اريد ان أسبب لأهلك الإحراج .
سأتحمل كل شيء على مسؤوليتي، المهم أن تكوني انت موافقة؟؟
لن يسامحها ولكن هذا أفضل لكليهما .توافق ؟ هذا ما ارادته وبشدة ولكن لما التردد الان؟؟أتخاف ان يشعر بالندم بعد الزواج ؟
أعرف في كل ماتفكرين به،ساظفر بذات الدين فيك فانت رغم اخلاقك وتربيتك كان من الممكن أن تكوني غير ما انت عليه لولا الوازع الديني . انت من اريد ،لا أريد غيرك.
قالت بصوت ضعيف :
أحيانا كثيرة كانت تراودني افكار كثيرة أحمد الله على ما انا عليه الان ، ماذا لو كنت ولدا لقيطا ، ولست بنتا ؟؟،ماذا سيحدث لي ؟؟ ماذا سيكون مصيري ؟هل سأضيع؟ واصبح من اهل الغي كاقوام لوط ؟؟ من سيزوجني ابنته؟؟ وان كنت من اهل الصلاح هل سيرغب احد بمصاهرتي وان كنت ذو خلق وأدب ، كيف سيعامله الناس بعد أن يعرفوا من يكون ..؟؟.
ان كان من اهل الصلاح فسيدبر الله امره ويسره في الدنيا والآخرة، وأن أصبح من اهل الفساد فسيهلك ويهلك كل من معه .
نظرت لوجهه وعينيها ممتلأتان بالدموع وهو يقول : لا تبكي ، فقلبي لا يتحمل رؤيتك هكذا ، انا قادم اليوم لخطبتك ، وكلي أمل أن نخرس أفواه الناس لنحيا معا كاحب اثنين يجمعهما القدر .وذهب وعينيها تراقبانه وهو يختفي خلف السيارات والأبنية، كانت تسأل نفسها :ماذا ستفعل لو كنت بمكاني يا وليد؟
كيف لي أن ارى أبنائي ينشاون والكل يعيرونهم باصل امهم ، كيف لي أن اكون في راحة وسعادة وكلام الناس يقتل كل الحب الذي جمع بين قلبينا،
كيف احبك وعذابك سيكون بيدي ..الهمسات واللمزات التي ستلقى عليك تقتلني ، الآن اتحملها لانها لي وحدي ، أما غدا لن تكوني لي فقط بل ستكون لكل من احب ، ستجد من تشاركك الحياة بحلوها ومرها ولو بعد سنين المهم أن تبقى مثلما عهدتك محبا وحنونا، بارا لأهلك ليبارك الله في ذريتك..أمسكت هاتفها ، وخطت رسالة عاجلة وهي تنظر إلى وليد يتخطى اخر الحواجز ليصل للضفة الأخرى.. تلقى الرسالة ، فأرسلت قبلة مودع بينما تسمر وليد ليقرأ ماكتبته :
كنت اريد ان اخبرك بإنك لن تراني بعد الآن، ارسم لنفسك طريقا غير طريقي فلن اكون لك .فأنا مسافرة للاعودة .
نظر لمكانها بخوف، كانت تركب مركبة أجرة واختفت بين جموع المركبات الأخرى …