البدو وتأثيرهم الإيجابي على المدن
حمد بن محسن المحروقي
خلق الله الشعوب أجناس مختلفة وسنَّ لهم السير في هذه الأرض الواسعة يتفيؤن ظلالها ويقتاتون من خيراتها، فبدأت تظهر الحِرَف والمشغولات اليدوية وكلٌ يبحث عن صنعةٍ يُزاولها ليقتات منها مطعماً وملبساً.
اشتهر البدو بتربية الحيوانات كالإبل والغنم واختاروا مواقع قريبة من العشب والماء لتأمين الغذاء لماشيتهم، وفي حال قَحلت الأرض تحوّلوا عنها باحثين عن موطن أكثر خصبة لتنعم حيواناتهم وتهنأ نفوسهم.
عندما يحل فصل الصيف يضجر سكان الصحراء بسبب الغبار الكثير الذي يدخل إلى عرشانهم ويكبس طعامهم ويختلط مع شرابهم ويطمس أعينهم ويصل إلى جوفهم، فعندها يحين الفرار منهُ ومن مَحْلِ الديار، إلى أراضي العشب والماء والثمار، فالغالبية تبحث عن متنفس، وكل يقصد حيث يأنس.
هنا في سناو مثلاً أغلب حُضّارنا من بدو محوت ومصيرة، واتخذوا عرشاناً لهم على امتداد وادي البطحاء (المسيلة) وبمقربة من صفنان والجمد وآخرين أعجبتهم المغدر فنصبوا مساكنهم بمحاذاتها، وغيرهم من أهالي محوت ومصيرة اتخذ من السديرة حاضرة، وبلدة المطيلع لها نصيب قليل من أهالي حج، وكذا حاضرة المنترب أستلمت أهالي الشريخة وغيرها من القرى التابعه لسناو كل بقعة انعشها بالحياة عدد من البدو من مختلف أرجاء السلطنة، سأتطرق هنا إلى بعض التفاصيل (عن سناو وما جاورها من قرى) حسب ما وردني ممن صاحبوا البدو منذ زمن طويل:-
وادي السيل والرمله: حاضرة سناو، الجمد.
حج: حاضرة سناو، المغدر، الرده، وعدد قليل في الشارق
الجوبه: حاضرة سناو، الرده، وعدد قليل في الشارق.
صراب: حاضرة سناو، الجمد، المغدر، الشارق.
سدره: حاضرة سناو، الجمد، المغدر، الشارق.
الخلوف: حاضرة سناو، المصلى.
الرويس والنكده: العينين، السديره، وعدد قليل في الفتح.
مصيرة: حاضرة سناو، وعدد قليل في السديره.
مديره: حاضرة سناو، وعدد قليل في المغدر.
الدقم: نسبة قليلة في سناو.
أدم الداخلية أيضا انصب عليها عدد من محبيها فنالت وفود أهل الجازر وآخرين من ولاية محوت وبالأخص الخلوف وقلة من الدقم.
ناهيكم عن أواسط الجعلانيتين الناميتين إذا تشبث بها نفرٌ من الأشخرة ورأس الحد وأصيلة.
ومن الجويرة وقرون وخويمة وقحيد وما حولهن ونسبة ظئيلة جداً من محوت ومصيرة اتجهوا إلى بدية الرمال والجمال وعكفوا جنوب المنترب والغَبِّي والبعض في شاحك والراكة والحوية.
أما خريف صلالة الساحر فقد سحر عشبه أهالي البلدان التي تقع تحت الجبال فانقادوا إلى سهولها رحمة بحيوانهم وتوفيرا لمالهم، ويذكر أن الشويمية وما بعدها هم أصحاب هذه المنفعه.
في مقالي هذا أردت أن أتطرق إلى الجانب الإيجابي من هذه الهجرات المؤقته التي تضفي على هذه المدن عائداً اقتصادياً واجتماعياً ولعل الجانب الإقتصادي أكثر قبولاً لدى الجميع. لا ننكر المردود المادي الكبير الذي يكسبه تجار هذه المدن في فترة حضور البدو في الصيف، بل كل تاجر ذكي يعد لهذه الفترة العدة ويجهز متجره بما يتناسب معهم وقد يحضر سلعاً تخص البدو في فترة الصيف وهو ما باع مثلها (كماً) في أشهر السنة الباقية.
منذ سنوات ذكر لي أحد الأخوة القريبين من البدو تعايشاً، أن أحد معارفه من البدو أخبره بأنه: يعمل طوال السنة في البحر فيكسب خيراً وافراً حتى اذا جاء الصيف يحضر سناو ومعه عائلته التي لا تتجاوز سبعة أفراد ومعه قرابة ثلاثة آلاف ريال عماني فينفقها جميعها في سناو (إيجار، وقود، مواد غذائية، مستحضرات تجميل، كماليات، عيادات، دواء، أواني، مفروشات، ملابس جاهزة، وخياطة الجديد،…. ألخ) حتى إذا انتهت الإجازة رجع وما بقيَ من ذلك المال شيئا.
وغيره من هو أقل منه مستوى مادي لربما الحصة التي احتفظ بها خلال العام تكون أقل من ذلك بكثير ولكنه يصر على الحضور لسناو وأن اضطر أن يتسلف مبلغاً من المال حتى يتمكن من قضاء ما تبقى من الإجازة في سناو، وبالطبع الأمر نفسه يحصل لباقي المدن التي تستقطب البدو في عمان.
دعونا نتحدث عن الجانب الإيجابي الآخر والذي لا يعرفه الكثير من الناس وأخص بذلك الذين لم يتعاملوا مع البدو عن قرب. البدو عزيزي القارئ يَتَحلون بغرائز إجتماعية حميمة فلهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة في هذا الجانب، إذ لا تهنأ لهم لقمة وجارهم جائع، ولا ترتاح ضمائرهم إذا ما عادوا مريضاً لهم واطمأنوا عليه، ولن ينسحبوا من موقع كارثة حتى يسألوا عن أسبابها ليعرفوا كيف يمكنهم تقديم العون، وما أن ترى أعينهم مصاب إلا ورأيتهم يهلعون لإنقاذه مغامرين بارواحهم تاركين أعمالهم وضروراتهم لأجل أن تحيى تلكم الروح.
ومما وجدته فيهم -شخصيا- حبهم لمعرفة رأي الدين في امورهم الفقهيه، فتجدهم غالبا ما يسألون عما يُشكل عليهم في سائر أعمالهم ولا يخجلون ولا يملون من السؤال.
وجدت أيضا في جيراننا اهتماماً عجيباً بالصلاة وحرصاً شديداً على آدائها في وقتها حتى أننا نخجل من أنفسنا عندما نذهب للمسجد نجدهم قد سبقونا وباشروا في قرآءة القرآن والتسبيح والذكر حتى موعد اقامة الجماعة. وفي رمضان أيضا حتى صلوات التراويح والتهجد تجدهم قد رصوا الصفوف وأحسنوا الوقوف.
المساجد خير شاهد، فبعد رحيلهم وعودتهم إلى ديارهم تجد أن المساجد التي تعودنا أن نراها مكتضة بالمصلين قد اختلت والصفوف الاخيرة في المسجد قد فرغت.
اذا جاورت بدواً فنعم الجيران هم، يقاسمونك معيشتهم ولا يبخلون عليك شيئا وهذه من طباعهم الحسنة، حتى أنهم يؤثرون على أنفسهم ذلك ولو كانوا جياعاً، واذا حللت بدارهم زائرا فرحوا بك وقدَّموا كل ما يوجد عندهم فشعارهم حينها (اليود بالمايود) واذا وجدوا مُتسعا من الوقت قاموا إلى قِدَرِهم وأوقدوا نيارهم وذبحوا شياههم وأعدوا ما استطاعوا كرما وجودا وحبا بضيفهم ولسان حالهم يقول لو أنك أخبرتنا منذ زمن لأعددنا لك عدة أوفر من ما وجدت اليوم.
ختاماً، ايها الأحبة نجد أن البدو أكثر تماسكا وحبا لبعضهم وكثير ما نشهد عليهم مساندتهم لبني جلدتهم، فإن إلتفوا على ضعيفٍ فيهم أخذوا بيده وشدوا على همته حتى يستوي واقفا.
وحتى أكون محايداً فأنا مقتنع مثلكم بأن ما نسمعه عن سلبيات البدو فهو فعلاً موجود وواضح لا يمكن نكرانه كما ان للحضر أيضاً سلبيات وعلل، جنبنا الله واياكم الزلل، ولكن علينا ان نعرف كيف نتعايش معهم ونحترم ما يرونه مقدساً عندهم إلا ما يخالف شريعة الله فإرشادهم واجب،،، والسلام.