2024
Adsense
مقالات صحفية

تنمية عادة القراءة في المدارس

د. علي زين العابدين الحسيني الأزهري

باحث وكاتب ومؤلف أزهري

تعدّ القراءة ظاهرة اجتماعية يشارك في تكوينها الجميع؛ لأن حصيلة الثقافة والمعرفة من خلال هذه الظاهرة أعظم من استقلال كل فرد من أفراد المجتمع بالمعرفة، والقراءة المنتظمة المستمرة تؤسس وتشكل لطلاب المدارس هيكلاً ثقافياً يتجول معهم في حياتهم، والأعظم والأبهى فيها أنها تتحول معهم إلى مواقف تعرض عليهم فيتخيرون الأحسن والأنفع لهم، وتكمن أهميتها في حماية عقول الطلاب من الأفكار المتطرفة، حيث تجعل بينهم وبين أهل الشر حاجزاً منيعاً، فلا يستطيعون مع القراءة الوصول لهم وزرع أفكارهم، وبذلك أيضاً نستطيع تربية جيل قادر على رد شبهات المتطرفين وتفنيدها، ويستطيع الطلاب من خلالها المحافظة على تماسك الصف الوطني، وتنمية الوطن.
وتقوم المدرسة بدور مهم ومسؤولية عظيمة في تقديم العون الكافي للطلاب لإقبالهم على القراءة ومحبة الكتب، فمن أهم واجبات المدرسة والمعلمين إثارة الرغبة والميل لدى الطلاب للقراءة والتزود من الثقافة عن طريق الإعداد النفسي للترحيب بالمطالعة والاحتفاء بالكتب، وإحساسهم بالرغبة الإيجابية نحوهما.
إن معظم الطلاب يقرءون بمجرد توجيهم وإثارة موضوع القراءة لديهم، وهي مهمة لابد أن يقوم بها المعلم، فيهيئ لطلابه الكتب الملائمة، ويساعدهم على اختيارها، كما تتكفل المدرسة بمد يد العون في ذلك لطلابها، فليست مهمة المدرسة مقصورة على تعليم الطلاب، بل الأهم من ذلك جذبهم إلى الاهتمام بتحصيل المعرفة، وليس هناك غرض تعليمي أهم من توجيه الطلاب إلى القراءة.
وتبدأ تنمية عادة القراءة عند الطلاب غالباً من المعلمين والمدارس، ويظهر ذلك حينما تسأل أو تبحث عن سر اهتمام بعض طلاب المدارس دون غيرهم بالقراءة والحرص عليها، وستجد أن وراء كل طالبٍ قارئ معلماً عظيماً شغوفاً بالقراءة يدفع طلابه إليها.
وهناك عدة وسائل هامة ربما يلجأ إليها بعض المعلمين لتنمية علاقة الطلاب بالكتب؛ كزيارة المكتبة المدرسية مع طلابه بصفة مستمرة، وزيارة المعرض السنوي للكتاب، وحثهم على استعارة الكتب من مكتبة المدرسة، وإقامة معرض مدرسي مصغر للكتاب؛ ليساعد غير المتحمسين على القراءة.
وأما المدرسة فيمكن أن تتخلى لفترة ما عن جدولها الدراسي، أو تخصص يوماً في الشهر للقراءة الحرة، وتقوم بتزويد التلاميذ ببعض الكتب حتى يألف الطلاب على القراءة، ويتعودوا عليها، ومنها عقد ورشات مكتبية في يوم محدد من كل أسبوع، يعرض فيها الطالب ملخصاً لكتاب قرأه، وكذا ربط القراءة بالأنشطة الفنية كالرسم والألعاب الرياضية.
ومن المُشاهد أن الجو الثقافي العام في المدارس، والحرص على القراءة والمعرفة من المعلمين في مجموعها عناصر البيئة الصالحة لانبثاق التفوق العلمي لدى الطلاب، فالطلاب يتأثرون بما يشاهدونه من نماذج، فيجب أن تتحول القراءة لظاهرة مدرسية إن لم تشمل جميع المعلمين والطلاب، فلا أقل من أن تشمل أغلبهم.
إن القراءة واجبٌ يومي وضرورة حياتية لا تقل أهميتها عن الأكل والشرب، فهي أساس التعلم، ومفتاح بيت المعرفة، ومظهر من مظاهر الرقي، ووسيلة من وسائل التقدم، ومنهج من مناهج التصدي للفكر المتطرف، وإذا كنّا نعاني ونشتكي من ظاهرة انصراف الشباب عن القراءة الجادة؛ فإن ذلك يرجع إلى دور المدرسة الأساسي في طفولتهم، فلابد من تضافر الجهود لتنمية القراءة لدى الطلاب.
وإذا عُرفت الغاية فإن استخدام أي وسيلة لتحقيقها متاحٌ وممكن، ولن يعدم المعلم الناجح حلاً لكسر الحاجز النفسي بين الطلاب والكتب، ويمكن في البداية استخدام القراءة الجادة الواجبة للكتب المدرسية.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights