لا تخيب رجائي…
إلهام السيابية
توقفت هند عند شاطئ البحر، باعثة نظرها إلى امواجه الهائجة، متأملة في قدرة الله وعظيم مخلوقاته ، وقدرته تتجلى في كل شيء، فمن أكون أنا لاعترض على امر الله، أخذ الموج يصطف صفوفا متتابعة، يتكسر جبروته وتكبو حدته مع اقترابه للساحل، تختفي الرغوة المختلطة بهيجانه على أطراف الشاطئ، راسمة معها تموجات على أطراف أقدامها، فتختفي تحت الرمال، لتسحبها المياه الغائرة تحت قدميها قافية إلى البحر، لتتكرر المحاولات تلوا الأخرى. وتذكرت قول الله :(( إني قريب))
لم تتمالك نفسها في البكاء واخذت تبكي وكأنها تخرج تلك الطاقة السلبية منها، لم تكن تعترض على امر الله، فالزوج يحق له أن يتزوج ، ولم تكن تعترض لإنه تزوج من امرأة أصغر منها ، والتي بدأت حياتها معه بإشتراطها بورقة طلاق زوجته الأولى ، وإنما كانت تحن إلى زوجها ، حبيبها الذي هجرها من أجل أخرى، نسيها، ترك بيته وأولاده ليستأنس بالأخرى، وجعلها هي كإستراحة محارب ، اذا جاع أسرع يطرق بابها، وإذا مرض وسقم التجأ إليها لتطبيبه ، تذكرت والدتها رحمة الله عليها وهي تنصحها بالصبر عليه ، الكل يدفعها إلى طلاقه وعدم الرجوع إليه، لأنه نسي الأيام وعشرة العمر ، لكنها تحبه، أجل تحبه لكل ما لهذه الكلمة من معنى ، فهو حبيبها، وونيس قلبها ، وزواج صغرها ، تربت على يديه، فقد أخذها وهي في عمر الثانية عشر، تعلمت كل ما يحبه ويكرهه، تعلمت مايسعده ومايكدره ،متى يكون حزينا ،ومتى يكون فرحا ،عاشت معه حياة قاسية ، مملؤة بالشقاء والفقر .
مر خيط رفيع من الذكريات القديمة، كانوا يعيشون في شقة صغيرة مستأجرة لا تتعدى غرفة وحمام ومطبخ صغير ، هي وأطفالها في حجرة واحدة، تضمهم لصدرها كلما احست بالخوف في غياب زوجها، فقد كان يتركها لفترات طويلة ليذهب في مهمة عمل، وعليها أن تتحمل ذلك ، يسافر ويترك مبلغا زهيدا من المال لتتصرف به في غيابه ، ولكنه قليل ولا يغطي فترة غيابه ، فتبقى تصبر أبنائها بما تجود به أيادي الناس القريبة منها، فالكل يحبها ويحب أبنائها، فسخر الله لها الطيبين من الناس، ليعينوها على مصاعب الدهر، فوجد لها أحد الصالحين عملا بسيطا، تستطيع ان تقاوم به شظف العيش ،ولتصرف بالمال القليل على أبنائها ، وتستتر بلقمة شريفة بعيدة عن أطماع الطامعين ، واعين الحاقدين ، فيسر الله لها عملها، وبدأت رحلتها لتوثيق وجودها في المؤسسة، بعد أن سخر الله لها من يعتني بطفلها الصغير وهي في العمل، بينما بقيت الأطفال في مدارسهم الحكومية ،متابعة تقدمهم في دراستهم غير متناسية واجباتها ودورها كأم .
كبر الصغار ، وتبدل الحال لأحسن حال ، وتحسنت الأحوال لأبو الاولاد، فاشترى بيتا في منطقة راقية، فمستواه الوظيفي الآن لا يسمح له بأن يبقى في ذلك السكن القديم ، بينما ودعت هند جيرانها واحبابها ببكاء غير منقطع ، غير ناسية فضل الله الذي سخر لها كل تلك القلوب المحبة .
وبما أن زوجها أصبح مسؤولا براتب جيد جدا، لا حاجه له لعملها ، يريدها أن تتفرغ له ولابنائه ، وبعد تفكير عميق ، تركت العمل لتكون مع أبنائها فهم أحوج لها ، وبما أن الله قد فتح على زوجها بالخير، ستعلم أبنائها حب الآخرين، ومحبة الناس كنز من كنوز القلوب، ستعلمهم الإعتماد على أنفسهم ليقوى عودهم ببعضهم البعض وكبروا ،أصبحوا فخرا لها ولأبيهم، وكثر مال زوجها فأصبحت له تجارة وأموال في البنوك، وبدلا من تزويج أولاده تزوج هو عليها وطلقها هي ليوم واحد ثم أعادها لعصمته لتكمل معه مشوار حياته، ما الذي عليها فعله؟ كانت تفكر كثيرا وكادت الوسوسة ان تقتلها ولولا ان سخر الله لها نساء فاضلات حولها ليخرجنها من وسوسة الشيطان إلى ذكر الرحمن ، فأخذت تحضر مجالس العلم والمحاضرات ودراسة القرآن لتكون في حفظ الرحمن ، الذي أمدها بالقوة لتصبر على هجران زوجها وقلبها لا يعرف الحقد والكره فتدعو الله أن يعيد له صوابه ، لقد فقدت زوجها ولكنها لم تفقد إيمانها في عودته ،وان عاد سيجدها بإنتظاره فهي لم تقنط من رحمة الله .