مجمع الخالدين بالقاهرة يطالب بإعادة اكتشاف قصص الماضي وتصويب سرديته التاريخية
صبري الموجي:
ضمن فعاليات الموسم الثالث لبرنامجه الثقافي، أقام مجمعُ الخالدين بالقاهرة ندوة بعنوان ” أوقاف زعماء ثورة 19 وآثارُها الثقافية والاجتماعية.
أدار الندوة د. عبد الحميد شيحة عضو المجمع، حيث رحَّب بالحضور والمحاضرَين، وأكد أن لثورة 19 أيدي بيضاء علي مصر كلها، إذ كانت ملحمةً وطنية لشعبٍ باسلٍ قرر أن يتحرر من رِبقة الاستعمار، وأن يستردَ كرامته، ويُدافعَ عن حقوقه المسلوبة، كما أنه كان لأوقاف زعماء ثورة 19 آثارٌ اقتصادية واجتماعية وثقافية لا ينكرها إلا جاحدٌ، رافض أن ينسب الفضل لأهله.
فيما أكد د. محمد سليم العوا عضو المجمع في كلمته أن الأوقاف فكرةٌ إسلامية خالصة، وأن أول من أوقف هو رسول الله صلي الله عليه وسلم، وتبعه الصحابةُ والتابعون.
وأضاف العوا أن الإمام الشافعي، ذكر في كتابه ” الأم” أنه لم يعرف أن أحدا من أهل الجاهلية “حبس” أو أوقف لأعمال البر(أي حسبة لله تعالي)، وأن كل أوقاف المدينة، حيث كان يعيش الشافعي آنذاك، باقيةٌ منذ عهد الرسول وصحابته.
وعن أنواع الأوقاف في عصر الإسلام الأول قال د. العوا إنهم أوقفوا أماكن لخيول الجهاد كبيرة السن، حيث يتمُ إطعامُها، وسقايتها حتي تموت آمنة وادعة، وليس كما يحدث الآن مع خيل الحكومة التي تُرمي بالرصاص لانتهاء منفعتها، كما كانت هناك أوقافٌ لبعض المُطربين الذين يُخففون عن المرضي أوجاعهم بالغناء، باعتبار ذلك نوعا من العلاج النفسي، بالإضافة إلي نوع آخر من الأوقاف يُسمي بـ” أوقاف الزبادي” للتعويض عما يُتلفه العبد من مال سيده.
وفي ختام كلمته أشار العوا إلي ضرورة وعي الجمهور بتاريخ الأوقاف في الإسلام للوقوف علي الجوانب المشرقة لهذا النظام الاقتصادي المهم؛ أملا في رجوعه إلي سابق عهده.
وفي كلمة د. إبراهيم البيومي غانم مستشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أكد أنه رغم مرور مائة عام على ثورة عام 1919م إلا أن إسهامها الثقافي والاجتماعي بحاجة إلى بحث لكشف ما تخبؤه خزائن الوثائق وأضابير التاريخ، فقد يندهش الكثيرون عندما يعرفون أن كبارَ زعماءِ ثورة 19: سعد باشا زغلول، وعلي باشا شعراوي، وعبد العزيز باشا فهمي كانوا من كبار مؤسسي الأوقاف الخيرية في مصر، وأن كلاً منهم قام بوقف أملاكه جميعها للإنفاق على أغراض أهلية وخيرية ومؤسسات ذات منافع عمومية، إضافة إلي جهودهم السياسية والتي تمثلت في تشكيل “وفد الأمة” في نوفمبر 1918م؛ لمقابلة المندوب السامي البريطاني في مصر آنذاك، وذلك للمطالبة بالحقوق الوطنية لمصر وللمصريين، وأولها الاستقلالُ التام، ورحيل الاحتلال الأجنبي، كما كانوا النواة الأولى لتأسيس “حزب الوفد”، وهو أعرق الأحزاب السياسية الليبرالية في تاريخ مصر الحديث والمعاصر.
وأرجع البيومي أسباب الدهشة إلي أن أولئك الثلاثةَ كانوا من كبار “النخبة الليبرالية الحديثة”، التي عادة ما تُوصف في بلادنا بأنها “نُخبة علمانية”، أو “نخبة تغريبية” لا تحفلُ بموروثات التراث الإسلامي، ولا تعبأ بأنظمته، ومن ثم فمن غير المتوقع أن يقوم أيٌ منهم بـ”وقف” أملاكه وفق أحكام الوقف الإسلامي، خاصة وأن بعض دعاة التغريب في تلك الفترة مثل: سلامة موسى، وعزيز خانكي، ومحمد علي عَلُّوبَة باشا، وأحمد رمزي بك، وعبد الحميد عبد الحق أفندي كانوا يصِفون الوقف بأنه ” نظامٌ ظالم، وسببٌ من أسباب التأخر”.
وأشار د. البيومي إلي أن شعراوي كان أول الزعماء الثلاثة مبادرةً إلى وقف أملاكه هو وزوجته هدى هانم شعراوي، التي خصصت وقفيتها للإنفاق على “نقابة المحامين الأهلية”، كما أنه أسهم – يقصد شعراوي – في تأسيس “الوفد المصري” مع رفقائه: سعد زغلول، وعبد العزيز فهمي.
وأضاف د. البيومي: أما سعد زغلول، فقد قرَّر سنة 1926م وقفَ جميع أملاكه، التي شملت “منزله” المشهور بـ “بيت الأمة”، و منزله بمسقط رأسه “قرية إبيانه”، ومساحة 40 فداناً و4 قراريط، و10 أسهم من الأراضي الزراعية التي كان يملكُها بناحية “مسجد وصيف” بمركز زفتى، محافظة الغربية (وسط الدلتا).
فيما قام عبد العزيز باشا فهمي سنة 1936مب وقفَ مساحةٍ قدرُها 18 فداناً بزمام مدينة “شبين الكوم” بمحافظة المنوفية، في وسط الدلتا.
وختم البيومي كلمته بالدفاع عن ثورة 19 مؤكدا أن سياسات العدوان على الهوية والذاكرة الجماعية لأي شعب، بما في ذلك الشعب المصري؛ يمكن أن تبوء بالفشل الذريع في نهاية المطاف، وذلك عندما تنهض قوى الإصلاح الأصيلة وجماهيرها في مواجهة سياسات العدوان على الذاكرة الجماعية، وذلك بجهود تهدف لإعادة اكتشاف “قصص الماضي” وتصويب سرديته التاريخة، ودحض الأباطيل التي روجتها الجهات المعتدية في وقت ما، وإزاحة ما أحدثته من تزييف وتشويه.