برتقال أبركان
عبدالرحمن رفيق
الحياة تحتاج إلى تعب وعناء حتى يتمكن الإنسان من توفير لقمة العيش لأفراد أسرته و لتلبيه متطلبات المنزل..
هنا سيأتي التساؤل من هي مدينة أبركان ؟ وكيف يتعبون أولادها من أجل جني البرتقال؟
مدينتي هي إحدى المُدن المغربية الواقعة شمال شرق المغرب، وهي عاصمة إقليم بركان ، فيما يفصلها عن الحدود المغربية الجزائرية، هنا في مدينتي أبركان لا فوضى ، لا زحام، لا سيارات كثيرة تثقل المسامع، لا نملك متاجر كبرى ولا حتى تلك الرفاهية الكبيرة..
هنا نزرع القيم والأخلاق اذا ما قورنت مدينتي بالمدن الأخرى سوف ترى أنها مازالت تحافط على الإحترام ، هنا تكبر البساطة كنبتة في كف عجوز.
وهنا نربي الأمل..حيث رضعتُ فيها البساطة من تحت شجرة البرتقال، وآمنتُ بها مسلكاً إنسانياً عظيماً، هذه المدينة رغم جمالها إلا أنه يوجد في قلبها المتعبون والمنهكون من بينهم أولادها وهم رجال ونساء وشباب سيخرجون في الليل كالنمل في مواجهة الحياة، لا ذنب لهم سوى أنهم خلقوا فى مكان كهذا تحوطهم رائحة العذاب تحلق فوق سمائهم، هنا في مدينة أبركان تسمع ضجيج الناس يخرجون من بيوتهم الفقيرة يحملون الكآبة والحزن فى وجوهم وعلى أكتاف كل منهم حقيبة فيها ملابس العمل التى ربما لا تعرق هذا اليوم، اعتمادهم فقط على الله ثم على صحتهم، يبحثون عن رزق مجهول وحلال، ربما لا يكتب لهم بعد..وعندما يذهبون إلى جني البرتقال تلتهب ظهورهم بنار الشمس، ليس لهم غير أن يجاهدوا العمل بأمعاء فارغة وصدى عويل أطفالهم لا يفارق مسامعه، يعلمون أن أولادهم كالشمعة ينتظرون كل مساء بعينين بريئتين يريدون حلوى وفي المساءِ يتقاسمون الحكايات محاولون قتل الوقت.. وكأنهم يستوقفون غدر الحياة للحظات، يلتقطون فيها الأنفاس، ويتناسون ملوحة عرق النهار، وفي اليوم التالى مع الساعة الثالثة أو الرابعة في الظلام.. ينبشون عن الرزق مشكلين خطاً منتظماً، وفي أعماق قلبهم كلمة أفرجها يارب وبعدها تمر ساعة ويأتي شروق الشمسُ، كعادته، لتلهبَ أجسادَهم الهزيلة يبدأ العذاب من جديد ويسودهم إحساس بالقلق، صمت مطبق يسيطر على شفاههم، وكأنهم بانتظار شيء ما..!!
أن تأتي حافلة تنقلهم إلى مكان ما ربما يعرفونه أو لا يعرفونه، لكن منظرهم كان يشي بأنهم يتوقعون حدثاً، فيما يوحي مشهدهم بأنهم يريدون وقوعه.. مرت نصف ساعة جاءت حافلة حان وقت الصعود للذهاب إلى جني برتقال أبركان ، من أجل دراهم معدودة تصل إلى 100 درهم..
من رائحة عرقهم تستطيع تمييزهم عن سائر البشر جُبروا على تحمل الشتائم والإهانة من الكابران (شاف) من أجل الفوز بلقمة العيش ،، بمجرد الحصول عليها يفرحون ويعودون حاملين نتيجة عرقهم من لقمة تسد رمقهم ورمق أفراد أسرتهم وادخار الباقي لحين أخر.