لا للمستحيل…
إلهام السيابية
كنت أظن دائما أن الأحلام لا تتحقق لأنها مجرد أحلام تراود الفكر والخواطر فقط ، او هي أحاديث نفس تطغى على صاحبها فيتلقاها على شكل رسائل إيحائية ، ورموز هاجسية ، فدعتني نفسي للمخاطرة لإمتطاء المستحيل ، والتغلب على اليأس الذي بدأ يتسلل إلى نفسي لكثرة إغلاق الأبواب في وجهي للحصول على وظيفة شريفة طيبة الرزق … أستطيع بها ان اعيل امي وإخوتي .. فأنا من خريجي شهادة الدبلوم العام … وليست لدي خبرة كافية في أي مجال تخصصي وظيفي .. عملت عدة أشهر متطوعا في شركة خاصة ، فكانوا يستغلون حماسي وطيبتي ورغبتي في العمل ، لإنجاز الكثير من أعمال الشركة ، وكأن لا احد يعمل غيري … وفوق كل ذلك بدون مقابل مادي … فقط لأنني متطوع ، وطالباً لشهادة الخبرة التي سأنالها منهم لتعزيز شهادة الدبلوم العام .. أخذني التردد في قبول وظيفة مراسل في إحدى الدوائر الحكومية .. فاستخرت الله وتوكلت عليه ، وكنت محبا لعملي ، متفانيا في أدائه ، نائيا بنفسي عن التدخل في شؤون الغير … في الجهة القريبة يوجد مكتب رئيس القسم .. نظراته تلاحقني كلما مررت أمام مكتبه … أشعر بها وكأنها سهام مصوبة نحوي تحمل رسائل مختومة … لم اكتشف مكنونها … ويتكرر هذا الموقف كلما مررت بمكتبه لاخذ بعض الأوراق .. حتى فاجأني يوما .. طلب مني التريث و الجلوس … تحدث إلي وسألني عن حالي وأحوالي ، كلماته وأسلوبه أدخل في نفسي شعورا بالراحة والطمأنينة ، فلم أجد منه إلا أبا مستمعا وقلبا روؤفا ، وناصحا أمينا .. فأنا اعيل اسرة كبيرة ، بعد وفاة والدي بسبب مرض عضال قضى على حياته، وترك لي مسؤولية العائلة في هذه السن المبكرة من العمر ..فقال لي كلمة لا يزال صداها يرن في أذني .. إلى متى ستظل مراسلاً .. انت شاب في مقتبل العمر . وما أراه فيك ينم عن روح العزم والقوه والمثابرة .. حديثه أثقل لساني عن الكلام ، فقلت في نفسى لو كان بإمكاني أن اغير واقعي لغيرته ولكن ما باليد حيلة ..
ربت على كتفي وهو يقول لي مبتسما : لا تجعل عقلك منغلقاً، وأطلق العنان لنفسك لمعرفة ما يدور حولك.
كانت نظرات الإستفهام واضحة جلية في وجهي ولكنه تابع حديثه قائلا :
ليسمو الإنسان للعلا ؛ عليه ان يمتطى الصعاب … محاولاً فهم ما يدور حوله، متعاونا ومكتسبا مزيدا من الخبرة… ليستطيع ان يقدم الأفضل … ومساعدتك للآخرين ؛ تجعل منك مثالا للعطاء فانت تفيد وتستفيد … خرجت من عنده وكأنني شخصا آخر . .حديثه كان كماء السلسبيل على صدري ..كيد أب مسح على صدر إبنه ؛ فازاح الهم المتكتل في وجدانه ، واشعل فيه الهمم المختبئة من أماكنها .. وبعد تفكير عميق ، وحبا في التغيير، ورغبة بإقتحام المغامرة ؛
بدأت بتنفيذ الأولويات … اولا كسب ثقة زملاء العمل .. وبالفعل .. بدأؤا بإشراكي بتأدية بعض الأعمال المكتبية ، ومساعدتي في الأعمال التي لا أفهمها أو أستوعبها… تغيرت نفسيتي .. اصبحت أكثر حبا للعمل والمساعدة ..استوعبت العمل في مده قياسية حتى استطعت ان اقوم بأعمال الجميع ..كانوا يوكلون لي أعمالهم المتراكمة، وكنت اخذها بسعة صدر ..وانهيها في فترة قياسية.. ومن خلال العمل أحسست بحاجتي لتطوير لغتي الانجليزية وتعلم مهارات إستخدام برامج الحاسب الآلي .. التحقت بأحد المعاهد المتخصصة لتكملة النقص الذي أحتاجه في إنجاز عملي وتطوير مهاراتي … أخذ مني ذلك فترة طويلة حتى أصبحت متقنا لهما ، و استطعت أن اتميز في مجال عملي ، وتشجيعا من الإدارة منحتني بعثة داخلية لإكمال دراستي في إحدى الكليات التخصصية .. وبالفعل …
بدأ النجاح يتجلى في حياتي ، اصبحت رئيس قسم بعد ان كنت مراسلا ، وبدأت عروض العمل تفرض نفسها علي .. ماذا علي ان أفعل ؟؟ توجهت لرئيسي – اللذي كان له الفضل بعد الله في كل هذا النجاح – لاستشيره في عروض العمل .
بادرني بقوله : كنت اعرف انك ذو طموح عالي .. إن كنت تشعر ان عملك في مكان آخر يعطيك انطلاقة جديدة فلا تتردد …
كلماته كانت كبلسم لعلاج ما أختلج في نفسي من تردد في إتخاذ القرار .. توضأت… صليت ركعتين ، استخرت فيهما الله ، وتوكلت عليه ، ثم ذهبت إلى فراش النوم ، مع يقيني بالله على أن يفتح لي أبواب الخير وطريق الرشاد .. أستيقظت باكرا .. بكل نشاط وحيوية .. والسعادة تملأ نفسيتي المرتقبة للعمل الجديد … توجهت فورا إلى المؤسسة الجديدة موقعا العقد .. ولعملي القديم مودعا ومصافحا انسانا كان لي أبا وأخا وصديق .. صافحني بقوة وهو يقول لي مبتسما :
اطمح دوما للنجاح ولا تجعل الفشل يوقفك . ..
بالفعل بدأت بأمل كبير وثقة بان الله يضع بركة العمل في السعي .. والنجاح في الصبر و المثابرة ..