من سرق الخزينة؟
حمدان بن سعيد العلوي
يحكى أن أمين الخزينة رجل صالح يخاف الله ويخشى الوقوع في المحضور، لحيته طويلة تلامس ركبتاه، عيناه لا تعانق السماء ولا تعرف لون السقف والأضواء، حكيم ناصح قلبه ناصع البياض، طيبته مضربا للأمثال، خلوق ينطق بإستحياء، ولا يخشى في الله لومة لائم، يصلي ويدعو الناس للصلاة ويسابق الإمام ليقرأ القرآن قبل الأذان، ثوبه قصير وفكره بصير، يذكر بعذاب القبر وعاقبة المصير.
وأنا لا أكتب شعرا ولست ملهما به ولكن حسبما أراه كان هكذا وأكثر، يحب الوطن ويدافع عنه باستماته ويشمئز إذا رأى من لا يرتدي الثوب العماني الأصيل والعمامة التي يتباهى بها كل عماني، وما كان ينقصه هو لبس الخنجر في كل لحظة ليثبت لنا وطنيته، كل ذلك كان وصفا والوصف فيه لم يوفه حقه، إلا أن أمين الخزينة في تلك المؤسسة التي تعج بالفاسدين بحسب نظرته الثاقبة، ويخشى من إختلاس أحدهم يدقق جيدا ويحاسب على أصغر العملات ولا يرضى بأن تنقص ولو آنة، في ذات يوم غاب أمين الخزينة عن الأنظار وهواتفه مغلقة لا نعلم ماذا أصابه وأين ذهب، لنكتشف بعد حين أنه ترك العمل وتفرغ للحياة في الريف مع أسرته الفقيرة في بيته المتواضع، مرت الأيام ليصلنا خبر هجرته إلى بلاد ( الواق واق) يملك يختا طويلا عريضا مرتفعا وقصرا يقاس بآلاف الأمتار، وله أبراج شاهقة ومحلات تجارية وشركات عقارية، وبحكم أن مؤسستنا تعمل في التخطيط والإقتصاد، ولديها مشاريع إستثمارية، نما إلى علمنا من مصدر غير موثوق أن (الواقواقيون) يقومون بالإستثمارات الضخمة وسوف تبدأ قريبا، وبالفعل قاموا بتلك المشاريع التي قمنا بتأجيلها بحجة أن الخزينة فارغة بسبب المصروفات على النقليات وفواتير الماء والكهرباء والصيانة (ووووووووو)، إلا أن أمين الخزينة كان له دور بارز في جلب الدعم من الشركات حيث تربطه بهم علاقة وثيقة بحكم أمانته وحكمته وثقافته ووطنيته، ليسد العجز ويزود مؤسستنا بالمؤن والمواد التي نحتاجها، كان صاحبنا كاتبا بارعا مقنعا ليثبت لنا أن حقوقنا مجرد أوهام حتى إجازاتنا وأيام راحتنا يطلب منا العمل لكي لا يتم التأخير في البدء بالمشاريع المخطط لها، كنا نفعل ما يقول وثقتنا به عمياء، إلى أن أتى الخبر اليقين بإكتشاف إختلاسات مالية ضخمة من خزينتنا المتواضعة، كيف حدث ذلك ومتى؟ ومن قام بذلك الفعل الأليم ليجر العم (حا) ويسجن بالدليل القاطع بعد أن تم اكتشافه يقوم بتحويلات مالية من حسابه الشخصي إلى حساب خارج الحدود، معترفا أنه كان يطلب منه وهو من ضمن إختصاصاته الوظيفية حيث أنه يعمل سائقا ويحل محل المندوب أحيانا، و هذه المبالغ على حد قوله يقوم بتحويلها لشركات الإستثمار التي ستقوم بالمشاريع الضخمة، حيث أن أمين الخزينة الصالح هو من يقوم بطلب ذلك منه ويقدم له المعونة كونه موظفا بسيطا ويسكن بيتا مؤجرا وله من الأبناء لا زالوا باحثين عن عمل، فهل تعتقدون بأن السائق هو من سرق الخزينة؟