بين الفقر والثراء .. ثمة نقيصة
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
من ضمن ما قرأت؛ القصة التالية: “كان لمحمد بن الحسن بن سهل صديق نالته إضاقة، ثم ولي عملا فأثرى وانصرف منه، فقصده محمد مسلّما وقاضيا حقّه، فرأى منه تغيرا فكتب إليه في ذلك: لئن كانت الدنيا أنالتك ثروة: فأصبحت ذا يسر وقد كنت ذا عسر
فقد كشف الإثراء منك خلائقا: من اللؤم كانت تحت ثوب من الفقر”.
هذه القصة وغيرها الكثير مما نقرأ ونسمع عن مواقف مماثلة لتأثير المال على الناس، ومستوى التحول الذي يحدث عليهم، ونكرانهم لأصدقائهم وإخوانهم، ليس فقط في معيشتهم، وهذا حقهم في الاستمتاع بما أوتوا من نعم، ولكن في تغير سلوكهم تجاه الآخرين من حولهم، حيث تصل درجة التغير عند البعض الى مستوى (360) درجة، حيث نقطة الصفر من جديد، وكل ما تم اكتسابه قبل لحظة التحول هذه يرمى في أقرب صندوق للقمامة، ولصلافة الموقف ونرجسيته يقف الآخرون موقف المستنكر، ولكن في المقابل هؤلاء المستنكرون؛ هل في مقدروهم أيضا أن يحافظوا على مكتسبهم الخلقي والسلوكي فيما لو صاروا إلى صار إليه من قبلهم الذين هم اليوم موضع انتقاد؟ والسؤال الآخر، هل يمكن الجزم بأن الإنسان في عمومية سلوكه تغيره المادة تغيرا مطلقا؟
يقينا لا يجب أن نسقط مثل هذه المواقف على أخلاقيات المجتمع ككل، ونصف المجتمع الفلاني على أنه انتهازي، ومخادع واستغلالي من خلال سلوك بعض أفراده، ولكن تعامل كل حالة على حدة، لأن هناك أناس اغتنوا بعد ما كانوا فقراء ولم ينسوا العشرة، وظلوا وفيين لأصدقائهم ولأفراد مجتمعهم الصغير، وما يخالف ذلك يظل في حكم الاستثناء، ولكنه استثناء مؤلم وصادم خاصة عند من يكون قربه متأصل عبر سيرة جميلة أرخت الكثير من نقاط التلاقي والوفاق، وأرخت سدولها على كثير من نقاط التلاقي الجميل بين الاخوة، أو الأصدقاء، أو الزملاء، أو أبناء مجتمع واحد، لأن المظلة الاجتماعية التي تسود الأفراد لا تزال مادة خصبة بالود، وبالتالي لا يقبل ما يخالف ذلك مطلقا.
هناك من يحسب هذا التحول على الجوانب المادية: مال، جاه، منصب، وهناك من يحسبه على خلق دنيء متأصل عند فلان من الناس، وإن سترته الحاجة في لحظة ما، كما جاء في أبيات محمد بن الحسن، والتعليل أن هناك أناس يملكون الخير الكثير، والجاه والمناصب، وتجدهم قمة في التواضع والخلق الرفيع، وفي المقابل هناك فقراء حتى النخاع، وتجدهم رؤوسهم الفارغة شامخة، ينطبق عليهم قول الشاعر:
“ملء السنابل ينحني بتواضع: والفارغات رؤوسهن شوامخ”
والمعطي نفسه لحظة من التفكير لن يجد هذه الحياة إلا فراغا متسعا لا نهاية له، كلما أجهد الإنسان فيها نفسه في غير محبة، كلما آوى ليله خائر القوى قلق المشاعر، مرتبك التفكير، ربما لم يهنأ قوته، ولم يستمتع براحته، تقض مضجعه الأحداث، وتسهد راحته الأفكار، يرى في الآخر سيف مسلط عليه، وفي التوقف للراحة مغبة لا تغتفر، يتعبه الليل بطوله، وينازعه النهار بقصره، شارد الذهن، مشتت التفكير، وهكذا تضيع الأيام سدى، ومع ذلك يشتكي لمن حوله بظلم الآخرين له، وانقلاب الزمن عليه.