2024
Adsense
قصص وروايات

“والقلب إذا تنفس”

منال السيد حسن

يقول الرافعي: “وكل إنسان لا يتعلق من الحياة إلا بالشعاع الذي يضيء المكان المظلم في قلبه .. و الشمس بما طلعت عليه لا تستطيع أن تنير القلب الذي لا يضيئه إلا وجه محبوب”.
كانت الأفراح تضج في صدرها تمهيدا للقاءه.. كانت تنظر كعادتها في النافذة وتتبسم من فرط نوره الذي تبصره في تفاصيل الطريق .. وتذهب بعيدا معه إلى لحظة لقاءهما الأول .. تغمض عينيها فتتلمسه في فوضى عجيبة .. وتفتحها لتراه مرة أخرى يعبر أمامها كالرؤى النضرة.

تصهل شوقا إليه .. فما الحياة إلا بنوره .. وما الدنيا إلا بتفاصيل بسمته .. وما العيش إلا بنظرته .. وما الصبر إلا بحكمته .. وما القلب إلا بمحبته.. وما الأمان إلا بأحضانه.. وما الأحلام إن لم تكن به .. وما هي إن لم يكن هو.

كم تحاملت على نفسها بما فاق قواها لنيل لحظة صفو معه .. وكم دفعت من دموعها أنينا وتوجعا لتصبر حنى تلقاه .. وكم من نيران أُشعلت في دواخلها غيرة عليه -محبة ليس إلا- .. سيمر الوقت الآن وكعادتها يذهب هذا كله حين تنظر إليه .. حين تُبصر في عينيه شعاعا يبثها كل الشوق والحنين .. وقتها يصب النهر الواسع مياهه في البحر البعيد.

تفتح هاتفها .. تراسله .. وهو يحسب الوقت حتى قدومها.. وتتساءل هي لماذا هذا التاكسي اللعين لا يتحرك رُغم أنه يمشي بسرعة على عكس كل التوقعات..

تحبه حبا ليس عليه صبر .. وتشتاقه إلى الحد الذي لا حد له .. لقد جبر الله بخاطرها فما حلاوة الصبر إلا اللقاء .. تتنهد في رقة وخجل وكأنه أمامها حقا .. تتخبط .. تتلعثم الحروف .. تفتح شفاهها لقول شيئا ما وتتراجع .. إنها ما زالت في الطريق .. هاتَفَها .. صوته الذي ما إن يشق دواخلها تذوب من فرط الحنين .. حروفه الولهى  .. العطشى إليها .. تبعث في نفسها دفئا أعجميا غريبا .. يتنفس الأمل داخلها.. وتضحى الشمس في صدرها فتتجلى حقيقة حبه اللا محدود.

على مشارف حدود المدينة ..جزء منها ليس فيها .. بل كلها …
تتأمل ساعتها .. خمسة عشر دقيقة وتشتاقه أكثر -لطالما تفتقده أكثر وهي بين ذراعيه- خمسة عشر دقيقة تحول بينها وبين وميض عينيه في أول نظرة بعد الغياب.. خمسة عشر دقيقة وتبصر سحر لحظه وجمال تبسمه .. خمسة عشر دقيقة وتلقي بنفسها داخله وتنساب في خلاياه.

هي الآن على نفس الطريق الذي جمعمها في أول لقاء منفرد -كان مهذبا وجميلا في ذاك الغروب .. كانت الشمس تلملم خيوط أثوابها من وسط الحقول الخضراء.. وكان الأخضر في عينيه يخاطب عينيها بألا يغيب شعاعها- وها هي ذا تراك بجُمِ كمالك وجمالك .. ينهض فيها جمال الذكريات ويفوح عطره في المكان يملأها بالأمنيات..

خمس دقائق فقط تفصلها عن تلك الخفقة التي تسري بأعماقها حال رؤيته .. خمس دقائق وتتلون الفرحة بجمالها حال رؤيته.. خمس دقائق وعقارب الساعة ترقص من فرط دقات القلب التي تنبض في معصمها..

هاتَفَها وإذ هي أمامه .. لم تشعر شيئا عداه .. لم ترَ شيئا سوى عيونه .. أبصرت الجمال في كل شيء .. فاض على روحها بالسكينة.. وعلى قلبها بالإيمان .. تبسمت في عجب فسر كل علامات إعجابها به.
التقيا فأومضت السماء.. واخضرت الحقول .. وحلق الفراش حولهما وامتزجا معا فتنفس القلب عن عشقه ومضيا في طريقهما.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights