2024
Adsense
مقالات صحفية

‎ لقد عشتُ مع الحبيب ﷺ

مارية الدهمانية

هذا النص يخرجُ من العتمة: عتمة الروح، عتمةُ المعنى، ومن الظلمةِ يخرجُ الضوء كما ينبلج النهارُ من الليل.

وُلدتُ في الثاني من ربيع الأول، والحقيقة أنّي لم أبصر النور يوم وُلدت، ذاك النور الذي يتحدثون عنه ما كان إلا محضُ ضوءٍ باهت، أزيزُ خرافة، أنا لمّا عرفتك عرفت النور، من سوادِ عينيك كان لعيني نورًا، وأنا من وضاءة أثرك كانت لي حياة!

حين وُلدتَ طلعَ نجمُ أحمد، من وهجِك استمدّ نورَه، ثمّ أَفِل، بينما نورك باقٍ إلى يومِنا، ما خبا ضوءه وما نقص، كَبُرتَ وعَظُم حبّك في قلوبِنا، شُقّ صدرُك، ماتت أُمك، رعيت الأغنام، وما كنت إلا محمّدًا الذي عرفنا ، ثم نزل عليكَ الوحي، تُوفي عمّك على شركه ، ماتت خديجة الحانية، وما زلت محمّدًا الصابر الشاكر.

أَتذكُر؟، يومَ أن وقفت جبل الصفا تُنادي في قومِك “إني لكم نذير” أنت لمّا نزلت تداعت في صدرك هموم القوم، والجبال لا تنفكّ تذكّرُنا بك، تروي لنا أنّك أخذت من ثباتِها قوّة وصمودًا، والشجرُ يعرفُك والوادي لا يُخطِئُك!

ويوم أن رجعت من الطائف، بعد أن آذوك، فجاءك ملك الجبال يستئذنك بإطباق الأخشبين عليهم، قلت: لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله، لا يشرك به شيئًا، كنتَ سيّد الصفحِ والعفو، ونحن؟أدهشتنا أخلاقك

في الغار، كنتَ مع صاحبك والله ثالثَكُما
ونحنُ خلفك موجومون! أيعقَل أن يُلاحقَ مثلُك؟ أيمكن أن يكيدوا لنبيّ الأمّة؟
أكملت سَيرَك نحو المنوّرة، خطاكَ بانت على الأرض، ونحنُ لخُطاكَ متّبعين.

وصلتَ المدينةِ، استقبلوكَ بالأهازيج، ليتنا أنشودة تغنّى في حبّك، أو تسبيحةٍ مرّت على مسمعِك، أحببتَ المدينة وأهلها وشوارِعها وأسواقها وفي كل شبرٍ منها ذكرى لك.
خارت قوى المشركين عن صدّك ورسالتِك، ثمّ استُلّت السيوف من أغمادِها حسدًا، فجاؤوا ملئَ قلوبِهم حقدًا وعقولِهم ضلالًا بات فيهم أبدًا، بدرٌ تشهد وأحد والخندق وسرارٍ كثيرة أنّ الله لا شكّ ناصرُك!

“اليومَ أكملت لكم دينكم” ومع انتهاء ذلك اليوم تكون قد أدّيت الرسالة كما طُلِبت منك، منحتنا النور بإذنِ الله، جعلت لوجودِنا في الأرضِ وُجهةً وسببًا، “إنما أنت رحمةٌ مهداة”، ثم رحل جسدك إلى بارئِه، وطيبِ روحِك ما زال عالقًا في الهواء، يستنشقه المؤمنون كل حينٍ بإذنِ ربّهم!

وبعد أكثر من ١٤٠٠ سنة من وجودك أقول:
لطالما برّحني الشوق الظامئ، لطالما عضّني شوكُ البُعدِ!
‎طولُ المسافات الزمنية بيني وبينك آذتني كثيرًا، ليتها لم تكن، لكنها إرادةُ الله، وهبتَ عمرك لأجلِ هدايتنا، و نزفت دمًا لأجلِ أن تصلنا رسالةُ الله ومن ثمّ أتترُك إخوانك؟ إخوانك الذين اشتقت إليهم، إنهم في أرضِ الله ما كانوا إلا غُرباء، وطوبى لهم
‎غرباء عن العالم، وكأنهم في واد، والعالم في آخر
‎غرباء عن الجميع إلا أنت، أنت تعرفُهم جيّدًا، لأنك ترى فيهم تعاليمك، الرسالة وصلتهم وهم يطبّقونها حرفًا بحرف، وماذا يضيرُهم إن كانوا مجاهيل إلا عنك؟
لقد عِشتُ معك، بجوارِك -على الأقل شعوريًّا- رافقتُك في غزواتك، بكيتُ لحزنك، وفرحت حين ابتهجت، تعلّمت منك الكثير.
أنتَ مدرسةٌ من نور
أنتَ مدرسةٌ من نور.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights