من يدفع ثمن البطالة؟ المسرَّحون والباحثون عن العمل… أزمة تتجاوز الأرقام
علي بن مبارك بن خلفان اليعربي
في كل صباح، لا يفتح آلاف العُمانيين منصات التوظيف بحثًا عن وظيفة فقط، بل عن استقرار مفقود وشعور بالأمان الوظيفي. ملف المسرَّحين والباحثين عن عمل لم يعد مجرد قضية إدارية، بل تحوّل إلى تحدٍّ اجتماعي واقتصادي حقيقي يفرض نفسه على طاولة الرأي العام، خاصة مع تكرار شكاوى فقدان العمل أو طول فترات الانتظار دون أفق واضح.
وفق ما يُتداول رسميًا وإعلاميًا خلال السنوات الأخيرة، فإن أعداد الباحثين عن عمل تُقدَّر بعشرات الآلاف، غالبيتهم من فئة الشباب وحديثي التخرج، إلى جانب فئة أخرى لا تقل حساسية، وهم المسرَّحون من أعمالهم نتيجة إعادة الهيكلة أو تقليص النفقات في بعض الشركات. هذه الفئة تحديدًا تجد نفسها فجأة خارج سوق العمل، دون برامج انتقال وظيفي واضحة أو ضمانات تحفظ خبرتها المتراكمة.
المشكلة لا تكمن في غياب المبادرات الحكومية، بل في محدودية أثر كثير منها. فبرامج التشغيل المؤقت، على أهميتها في تخفيف الضغط الآني، لا توفّر استقرارًا حقيقيًا. وتشير تجارب واقعية إلى أن عددًا من المستفيدين يعودون إلى نقطة الصفر بعد انتهاء البرنامج، ليُعاد إدراجهم ضمن قوائم الباحثين عن عمل، وكأن الأزمة تدور في حلقة مفرغة.
فجوة التعليم وسوق العمل ما تزال أحد أبرز أسباب تعقيد المشهد. فبحسب ما يلاحظه المتابعون، تستمر الجامعات والكليات في تخريج أعداد كبيرة في تخصصات تقليدية، بينما تعاني قطاعات مثل التقنية، والأمن السيبراني، والطاقة المتجددة، واللوجستيات، والسياحة من نقص الكفاءات الوطنية. والنتيجة معادلة غير منطقية: خريجون بلا وظائف، ووظائف لا تجد من يشغلها محليًا.
أما القطاع الخاص، فرغم كونه المحرّك الرئيس للتوظيف، إلا أن جزءًا من الأزمة يرتبط بغياب التوازن بين الربحية والمسؤولية الاجتماعية. فقرارات التسريح في بعض المؤسسات تُتخذ بسرعة، دون برامج إعادة تأهيل أو نقل داخلي أو حتى إشعار مبكر كافٍ. وتُظهر حالات واقعية لمسرَّحين قضوا سنوات في العمل، أنهم يواجهون صعوبة مضاعفة في العودة إلى السوق، بسبب العمر الوظيفي أو تغيّر متطلبات المهارات.
الأرقام وحدها لا تكشف حجم الأثر النفسي والاجتماعي للأزمة. فالبطالة أو فقدان العمل لا تعني فقط توقف الدخل، بل تمتد آثارها إلى الاستقرار الأسري، والديون، وتراجع الثقة في المستقبل. وتشير تقارير اجتماعية إلى ارتفاع الضغوط النفسية لدى الباحثين عن عمل، خصوصًا عندما تطول مدة الانتظار دون وضوح أو شفافية.
الحلحلة ممكنة، لكنها تتطلب الانتقال من المعالجات المؤقتة إلى الحلول الهيكلية. أول هذه الحلول يتمثل في إنشاء برنامج وطني لإدارة التسريح الوظيفي، يُلزم الشركات الكبرى بخطط بديلة قبل إنهاء العقود، تشمل التدريب وإعادة التوجيه وربط المسرَّحين بفرص حقيقية. كما أن ربط الدعم الحكومي والحوافز بعدد الوظائف المستقرة، لا بعدد التعيينات الشكلية، سيشكّل فارقًا ملموسًا.
إلى جانب ذلك، تبرز الحاجة إلى إعادة توجيه التعليم والتدريب نحو المهارات المطلوبة فعليًا، مع برامج إعادة تأهيل قصيرة ومكثفة تقاس نتائجها بالتوظيف لا بالشهادات. كما أن تعزيز العمل الحر والمشاريع الصغيرة، بدعم فني وتمويلي حقيقي، يمكن أن يخفف الضغط عن سوق الوظائف التقليدية.
في المحصلة، فإن ملف المسرَّحين والباحثين عن عمل ليس عبئًا على الاقتصاد، بل فرصة مهدرة إن لم تُستثمر بالشكل الصحيح. المواطن العُماني لا يطلب المستحيل، بل سياسة واضحة، وفرصة عادلة، وسوق عمل يقول ما يفعل ويفعل ما يقول.



