مسؤول سارب .. بضمير غائب
سامح الشكيلي
وأنت على عتبات المسؤولية، تقف شامخًا بثقةٍ ويقين، مدركًا أن كلّ من يعمل تحت مظلة المؤسسة إنما هم أمانة في ذمتك، تحكمهم إدارتك، ويتشكل أداؤهم من نهجك. فالإدارة الحقة لا تقوم على الغلو في فرض القوانين والقرارات، بقدر ما تقوم على إحكام المنظومة، وتنقية بيئة العمل من الفساد والتجاوز، ونفض غبار الخيانة عنها، قبل أن تُرفع الشعارات وتُشهر اللوائح.
وأنت أيها المسؤول في أسرتك، أولادك أمانة في عنقك، وشريكة حياتك مسؤولية عظيمة تؤدى بحقها الشرعي والإنساني، لا تُؤجل ولا تُهمل. وأنت أيها المسؤول في عملك، استشعر ثقل الأمانة التي حمّلك الوطن إياها، وأنت تعبر بوابة المؤسسة، تمشي على سجادٍ أحمر، وتحفّ بك الحراسات، وإن كانوا واقفين صامتين، فحقوقهم إن لم تُنصف في الأرض، سترفع إلى قاضي السماء، وهناك لا سلطان إلا للعدل.
الوطن أنجب شجعانًا نجباء، مخلصين في خدمته، صادقين في الذود عن حياضه، غير أن الوطن – في المقابل – يعتلّ بفئةٍ كأنما أُغشيت أبصارها، وصُمّت آذانها، وبُكمت ألسنتها، وشُلّت حركتها، وماتت ضمائرها عن المعنى الحقيقي للمسؤولية. فاختارت المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة، وارتضت السلامة وقت الشدة، والمكاسب في زمن الواجب.
ذاك الأب الذي تخلى عن دوره في النصح والتقويم والتربية، وانصرف إلى أعماله الخاصة، ودفع من استقرار أسرته ثمنًا لراحته ورفاهيته. وتلك الأم التي غاب عنها الإعداد الأخلاقي للأبناء بذريعة ضيق الوقت والانغماس في العمل، ظنًّا منها أن الراحة لا تُنال إلا بالابتعاد. وكذلك المسؤول في موقعه الوظيفي، حين حصر نظره في مكافأة نفسه، وتطويرها وحدها، ونسي أن رفعة القائد من رفعة فريقه، وأن الموظفين الذين أهمل حقوقهم هم ذاتهم من سيصنعون صورته، إما فخرًا به أو شهادةً عليه.
ثم إن المجتمع تحكمه أسرتان متلازمتان:
أسرة تنتمي إلى النسيج الاجتماعي، وأخرى تنتمي إلى الإطار الوظيفي. وكلاهما مسؤولتان عن الارتقاء بالوطن، ودفع عجلة تقدمه، وتعزيز تماسكه، برعاية المحتاج، وتقويم السلوك، وغرس معاني التكاتف والتكافل، وصيانة القيم من التآكل.
ومصطلح” الباحث عن عمل” لا يجوز للمسؤول أن يُوسّعه حتى يشمل اليأس، أو يُضخّمه حتى يبتلع المطرود بغير حق، واليتيم، والمسكين، والسجين، والجائع. فالمسؤول الحقيقي لا ينتظر المجتمع ليوقظه، بل يوقظ ضميره أولًا، ويُبادر بحلول استباقية، تعالج جذور المشكلات قبل استفحالها، وتمنع تفرعاتها قبل أن تتحول إلى أزمات متتالية.
إن توسيع الصلاحيات في سلطنتنا العزيزة لم يكن ترفًا إداريًا، بل أداةً ليصنع بها المسؤول سدًّا منيعًا أمام العواصف، وساترًا دون الفتن، وحصنًا ضد الإشاعة، وجسرًا نحو صورة إيجابية تبث الطمأنينة، وترسخ الأمل، وتفتح أفق الازدهار والرفاه.
فالأمانة… سيفٌ مصلت على رقبة كل مقصر، ومقياس تُوزن به الرجال قبل المناصب.



