طالب المقبالي
صديق آخر يرحل فيتوالى رحيل الأصدقاء واحداً تلو الآخر إلى أن يصل دورنا ونرحل كما رحلوا سائلين الله تعالى أن يجمعنا بهم في الفردوس الأعلى .
نبهان بن حمود بن نبهان العبري واحد من رجالات ولاية الرستاق الأفاضل ، عرفته في سبعينات القرن الماضي ، فكان متواضعاً وكريماً وذا خلق ولا تفارق الابتسامة محياه .
عرفته معلماً للقرآن الكريم بعلاية الرستاق وما زلت أحتفظ له بصورة في المدرسة التي يعلم فيها القرآن التقطتها عام 1977 تجمعه بالأطفال الذين كان يدرسهم من بنين وبنات والذين أصبحوا الآن آباءً وأجداداً ، ومنهم من غاب عن دنيانا الفانية .
“المعلم نبهان” كان لقب الشهرة له وكان رحمه الله يفخر بهذا اللقب لأنه يحمل في مضمونه بالنسبة له معاني كثيرة ، فحتى في هاتفي سجلته بهذا الاسم ، وحتى الاعلان عن وفاته كان هذا اللقب هو المعرف به بين الناس ، فربما لو قلنا نبهان بن حمود العبري لما عرفه الناس ، ولكن ما إن تقول ” المعلم ” فالكل يعرفه .
صحبتي به كانت ممتعة ومليئة بالذكريات الجميلة ، فالمعلم نبهان لم يقتصر عمله على تدريس وتحفيظ القرآن الكريم ، وإنما كان تاجراً ولديه دكان في سوق الرستاق القديم “أبوثمانية” الذي رحل قبل رحيله بسنوات ، فكان لرحيل السوق وهدمه غصة في قلب المعلم نبهان ، كبقية أبناء هذه الولاية المخلصين .
كما كان المعلم نبهان من أمهر النجارين العمانيين النوادر في عصره ، فكان يمارس مهنة النجارة ، وكنت أذهب لأزوره كل مساء وأستمتع بعمله ، وقد تعلمت من حرفته ، وقد كان يصنع المناديس المنجمة التي كانت من أساسيات متطلبات الزواج ، وقد صنع لي مندوساً إلا أنه قد كلفني بمهمة التنجيم في النقوش التي رسمها بيده الطاهرة .
لقد تصاحبنا في كل شيء ، وكنا نمتلك دراجات نارية ونذهب سوياً للتنزه بها في مختلف أحياء وقرى ولاية الرستاق ، كما أننا ترافقنا إلى مسقط للحصول على رخصة قيادة الدراجات النارية في مركز الفحص بالقرم عام 1977 م.
المعلم نبهان رحمه الله كان يسأل باستمرار عمن يفتقد زيارته ، وبسبب ارتباطات العمل والارتباطات الأسرية تباعدت اللقاءات بيننا ، فإذا مر أسبوعان ولم أزره يتصل بي هاتفياً ويعاتبني عتاباً شديداً حتى أنني خصصت له يوماً في الأسبوع لزيارته ، وبسبب الظروف مرة أخرى انقطعت وقتاً طويلاً فكانت آخر مكالمة هاتفية تلقيتها منه بتاريخ 12 من شهر أغسطس الجاري يعاتبني فيها على انقطاعي عن زيارته .
أسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته وان يكنه فسيح جناته ، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان وأن يجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة ، إنا لله وإنا إليه راجعون .