مقال: موظف جديد .. يتساءل؟
يكتبها: أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
جميل ذلك المنظر الذي شاهده الكثيرون، وهو احتفال عدد من المدارس باليوم الأول للعام الدراسي، حيث قدم في هذا اليوم الكثير من الحلوى للطلبة الآيبون العائدون الحالمون؛ المستبشرون؛ السعيدون؛ المبتهجون، حيث العودة الى مدارسهم، الى محاضن تربيتهم، وتهذيبهم، الى حيث التحليق سموا نحو المعرفة، والتربية، والقيم النبيلة، فالمدرسة، وإن كانت تربك المشاعر في يومها الأول لدى مجموع الطلبة لأنها تمثل الجدية، والإلتزام، والجهد، والمثابرة، إلا أنها فوق ذلك هي ذلك الاجتماع اليومي الجميل حيث تجتمع محاضن التربية المختلفة، وروافد العلوم المتعددة، منازل الخطوة الأولى نحو الغد.
أسجل هنا هذه المقاربة الحميمية جدا، بشعور ذلك الموظف الجديد الذي للتو يدخل من باب المؤسسة – على إتساع الحلم – موظف جديد، يحمل بين جنباته الكثير من الرؤى، والكثير من الأحلام، والكثير من الهمم، والكثير من الرضى، والكثير من التفاعل، واذا كانت المدرسة هي من يؤسس لهذه الخطوات اليوم لهذا الموظف الجديد، فإن المؤسسة الوظيفية هي التي تؤسس لمشروع وطني ممتد على إمتداد أعمار الموظفين فيها؛ حتى مبلغ العمر “عتيا”، فذات الأدوار تتكرر هنا، حيث المؤسسة الوظيفية، من الجهد، والالتزام، والتعاون، والتقارب، والتضحيات، لخدمة مشروع الوطن الكبير والمقدس، فالمسافة بين المؤسسة التعليمية، والمؤسسة الوظيفية مسافة جد قريبة، لا يفصلها سوى زمن ممتد ما بين منشأ الحلم وتحققه، وما بين منشأ العزيمة وتوظيفها، وما بين منشأ الهمة والمحافظة عليها.
إلا أنه ما يفرق بين هما هو المقابل المادي الصرف، ومجموعة محددات إدارية اكثر حزما، والتزامات فنية تتطلبها الوظيفة ذاتها، فاذا كان في المدرسة مجموعة صفوف، او قاعات مختلفة المستويات التعليمية، فإن في المؤسسة مجموعة مكاتب تصب منتوجاتها لصالح طرفين هما المؤسسة والموظف، وحتى يصل الموظف الى المساهمة المباشرة في متطلبات المؤسسة، فإن على المؤسسة أن تقترب أكثر من هذا الموظف، فهو يهمه كثيرا أن يعرف ماله وما عليه، ان يعرف اختصاصاته، أن يعرف مساره الوظيفي، يقول احد هؤلاء الموظفين الجدد: منذ أن دخلت أبواب المؤسسة، لا أعرف اي شيء عن مؤسستي ولا عن نظامها الإداري، ولا عن الواجبات المناطة الي، ولا عن الحقوق التي لي، ولا عن كثير من انظمتها الدقيقة، ولذلك ولأكثر من عام لا زلت أدخل من بوابتها الكبيرة عابر نقاط الأمن متجها الى مكتبي الذي اشترك فيه مع زملاء آخرين، لا ندري ما يجب علينا بالضبط سوى ممارسة العمل اليومي حتى تنتهي ساعات الدوام الرسمي ويذهب كل واحد لحاله، لا يوجد توصيف اداري ولا وظيفي، يمر علينا بين الحين والآخر كبار مسؤولي المؤسسة بمناسبة وبغير مناسبة كأنهم مراقبوا احدى المقابر لا سلام ولا كلام، سوى نظرات صامته وكأنهم يعلمون “خائنة الإعين وما تخفي الصدور”، حتى أنني مرة جئت بملابس ملونة، فقال لي حارس البوابة لا يمكنك الدخول وانت بهذا اللباس، قلت له لم يخبرن أحد من المسؤولين أنه لا يصح الدوام بلباس ملون، فلاذ بالصمت.
ويعقب هذا الموظف “الجديد” بالقول: كانت لي تجربة سابقة قصيرة في احدى شركات القطاع الخاص، فمن أول يوم اعطيت ورقة مكتوب فيها الحقوق والواجبات التي لي والتي علي، ومساري الوظيفي، ومجموع الدورات والعلاوات، وغيرها الكثير، وكنت اتوقع ان اجد ما يماثل ذلك عندما التحقت بالعمل في إحدى مؤسسات القطاع العام، ولكن للأسف الشديد، وهذا ما يبعث عن الترهل والروتين، وتغييب أهمية الوظيفة ومكانتها المقدسة.