مذكرات الولد الشقي .. الفصل 11 والفصل 12

فايل المطاعني
مغامرة الرطب: حكاية الولد الشقي في سوق البريمي
من مذكرات الولد الشقي…
ما أجمل الصيف حين تحل الإجازة المدرسية! بالنسبة للكثير من الأولاد، تعني الإجازة النوم المتأخر، واللعب مع الأصدقاء، والاستمتاع بالحرية بعيدًا عن جرس الحصة الأولى. لكن بالنسبة لي، كانت الإجازة شيئًا مختلفًا تمامًا… فقد كنت أجد نفسي يوميًا أرافق والدي إلى سوق البريمي، حيث كان يبيع الرطب تحت شمس الصيف الحارقة. لا راحة، ولا كسل، بل يوميات حافلة بالعرق والمواقف الغريبة، وأحيانًا المحرجة!
كنت أنا المسؤول عن “العَرَبة” – تلك العربة المعدنية التي تصدر أصوات صرير غريبة وكأنها تعاني من أزمة منتصف العمر. أجرّها بكل فخر، وأعرض الرطب وكأني تاجر مخضرم في سوق بورصة التمور.
وفي صباح أحد الأيام، قرر والدي – مشكورًا – أن يمنحني شرف المسؤولية الكاملة. قال لي: “أنا رايح أجيب فطور من الهندي، انتبه للعَرَبة والرطب، وخلك رجال”.
نفخت صدري حتى كدت أطيح باللبان اللي في جيبي، ووقفت عند العربة كأني بواب قصر من قصور ألف ليلة وليلة.
مرت الدقائق… وأنا أتخيل نفسي مليونير الرطب، وبدأت أمارس فن التسويق:
“رطب خلاص، حلو مثل سكر، بس اليوم بلاش التجربة!”
وكانت هناك عجوز تساومني على السعر كأننا في مزاد، ولم تكن تعلم أنني لا أملك حتى قيمة الماء الذي أشربه!
وفي لحظة غفلة، جاء شاب على دراجة هوائية، توقف، تبسم، وسألني عن نوع الرطب. قلت له: “هذا خلاص، من مزرعتنا”.
قال: “أعطني شوي أجربه…”
ناولته حفنة، أخذها، ثم ابتسم وقال: “زين، باخذ أكثر”.
وفجأة، مد يده، أمسك بحفنتين، ثم ركب الدراجة وهرب مثل البرق!
وقفت مذهولًا، يدي لا تزال ممدودة، وعيناي تلاحقانه وهو يتلاشى في الأفق وكأنها مشهد من فيلم أكشن رخيص.
جريت خلفه وصرخت: “يا حرامي الرطب! وقف!”
لكن لا أحد تحرك، بل أحدهم صرخ من بعيد: “خلّه، تو الناس، أول درب السرقة!”
رجعت إلى العربة وأنا أشعر أنني فشلت في أول مهمة بطولية لي.
ولما عاد أبي، نظر إلى الوجبة الناقصة، ثم إليّ، وقال بلهجته المعروفة: “شو صار؟”
رددت بخجل: “باعينا وما شرى…”
ضحك ضحكة طويلة، ثم قال: “هذي أول خسارة تجارية، وبتتعلم منها كثير!”
وأنا من داخلي، أقسمت أن لا أثق بأي شخص يبتسم أكثر من اللازم!
منذ ذلك اليوم، صرت أكثر حذرًا، وصارت كل عربة أرزق بها بمثابة ساحة معركة.
تعلمت أن الحياة في السوق ليست فقط بيعًا وشراء، بل دروس في الذكاء، الحذر، وأحيانًا… الركض خلف دراجات مسرعة!
وهكذا طويت صفحة من مذكراتي الصيفية، وبقيت “سرقة الرطب” نقطة سوداء في سجلي التجاري، لكنها نقطة… أضحك عليها كلما تذكرتها!.
ليس من سهولة أن تكون كاتبا.
يقولون إن الكتابة موهبة، وأنا أقول إنها أيضًا ورطة!
نعم، ورطة عندما تقرر فجأة أن تصبح كاتبًا في بيت لا يعترف إلا بالدراما المنزلية والضرب تحت الحزام (الحزام هنا مجازي… وأحيانًا حقيقي!).
لكنني كنت شجاعًا، جربت الكتابة… وكانت البداية من “غرفة النوم”، وتحديدًا من فوق المخدة، حيث ولدت أول قصة حب في حياتي… بين مخدتين!
ليس سهلًا أن تكون كاتبًا، خصوصًا عندما تكون صغيرًا ومخيلتك تركب صاروخًا وتطير فوق السحاب.
أول محاولة لي في الكتابة كانت على… مخدتي!
نعم، المخدة الأولى كانت البطل، والمخدة الثانية البطلة.
أعددت حوارًا بينهما، وجلست أكتبه بسرية تامة. لكنني لم أكن أعلم أن أختي الكبرى كانت تتجسس من خلف الباب! والكارثة أنها نادت إخوتي، وتحول المشهد من دراما رومانسية إلى فيلم كوميدي بائس!
الحوار كان كالتالي:
البطل (مخدة رقم 1):
– أين كنتِ ليلة أمس يا وردة أحلامي؟!
البطلة (مخدة رقم 2):
– كنتُ عند رأس أختك… إنها كانت تبكي وتحتاج لحضني!
البطل:
– خائنة! تركتِ وجهي وحده يواجه البرد والتيارات الهوائية!
البطلة:
– اسكت، لا تكن دراميًا، أنت محشو بريش الإوزّ الفاخر، لا أحد يعاني مثلك!
(وهنا انفجر الجميع ضاحكين، أما أنا فحاولت الدفاع عن نفسي قائلاً:
– هذا أدب رمزي! فيه عمق!
لكن أخي قال لي:
– نعم عمق… المهابيل!)
لم يكتفِ إخوتي بالضحك، بل أخبروا الجيران، والجيران أخبروا أصدقاءي، وصرت معروفًا في الحارة بلقب “كاتب المخدات”!
أقسمت بعدها ألا أكتب أبدًا… لكن قلبي كان يقول: “لا تيأس، حتى شكسبير أكيد كتب مرة على وسادته!”
تعلّمت من هذه التجربة أن الموهبة تحتاج إلى الشجاعة… وأحيانًا إلى غرفة مغلقة جيدًا!
فلا أحد يبدأ من القمة، وربما كانت أولى خطواتي نحو عالم الكتابة من “قاع” السخرية، لكنها كانت بداية، والبدايات دائمًا عظيمة… حتى وإن كانت على المخدة!