الِخزامَة وبحيرة الزئبق

فاطمة بنت البخيت الشنفري
وصلت عائشة إلى بيت جدتها الخيار لقضاء إجازتها الصيفية مع بدايات موسم الخريف في وقت متأخر من الليل، كانت جدتها الخيار* (1) تعيش بمنزل جميل في إحدى قمم جبال ظفار الخضراء، أخبرتها أمها أنه يجب أن تخلد للنوم، لتنهض في الصباح الباكر مع أمها لتصبحْ على جدتها الخيار.
قالت أم عائشة: صباح الخير جدتي الخيار.
ردت الجدة الخيار: صباح الخير حفيدتي البارة.
قالت الجده الخيار لعائشة: صباحُ الخير صغيرتي المحبوبة يا حفيدةُ أبنائي ما هذا الثوب الأحمر الجميل المزين بالورود البيضاء؛ كأنها ورود البيضح(2) *؟!
قالت الأم لعائشة: اجلسي بجانب جدتك الخيار واشربي كأساً من الحليب الطازج من أبقار جدتك، ولكن عائشة رفضت الاقتراب والتصقت بأمها أكثر.
دخلت الخالة طفول *(3) عليهن ملقيةً تحيه الإسلام ومن ثم تحية الصباح، السلام عليكن ورحمة الله وبركاته، أسعد الله صباحكن، كيف أصبحتن؟ ثم نظرت إلى عائشة وهي تمعن النظر في جدتها وقالت في نفسها: يبدو أنه وصل خيال عائش!
ثم قالت لها: تعالي معي يا عائشة سنقوم اليوم بجرد مختبر المدرسة لنهاية العام الدراسي هيا بنا.
قالت عائشة: أين هيثم يا خالتي ؟
ردت الخالة طفول متذمرة: دعي عنك ذاك الكسول، ما زال نائما
أمسكت الخالةَ طفول يد عائشة الصغيرة، وانطلقتا إلى المدرسة، بين الأعشاب المخضرةِ والمصفرةِ وحولهما الفراشات ذات الألوان الزاهية.
مدرسةُ تلك القرية تطل على بحيرةٍ رائعةٍ متلألئة، كانت عائشة تطارد الفراشات أثناء سيرهما على الطريق، سألت الخالة طفول عائشة: لماذا كنت تمعنين النظر في جدتنا الخيار أيتها الحالمة المشاكسة؟!
قالت عائشة: لماذا جدتنا تضع تلك الخِزاَمة *(4) طوال الوقت ولا تتخلى عنها؛ كل زيارة لي أراها على أنفها.
أجابت خالتُها: الخزامة يا عائش موروث *(5) شعبي لزينة المرأة قديما، مصنوعٌ من الذهب، جدتنا الخيار لا تتخلى عنه أبدا لأنه جزء من الحلي الجميلة القديمة التي يجب أن نتمسك بها.
قالت عائشة: ولكن شعرت بالخوف من هذه الخِزامَة!
قالت خالتها مندهشةً: لماذا؟!
قالت عائشة: لقد تخيلت جدتنا الخيار ذات أنف طويل كأنف الساحرة، وأن الخِزامة مثل مصباح علي بابا تحقق الأمنيات.
قالت الخالة ضاحكةً: من أين لكي هذا الخيال يا عائش. ؟!
وصلتا الإثنتان إلى المدرسةِ ودخلتا معا إلى المختبر، وأثناء ما خالتها تقوم بجمع بعض أدوات المختبرية رأت عائشة شيئاً فضيًا يلمع في قنينة زجاجية ، سألت عائشة خالتها: ما هذا الذي لونه فضي؟
ردت خالتها: إنه الزئبق يا عائشة مادة كيمائية تدخل في كثير من الصناعات.
ثم أطلت عائشة من نافذة المختبر ورأت البحيرة المتلألأه مع أشعة الشمس وزقزقة العصافير، سألت عائشه خالتها مرة أخرى وهي مندهشة: ما هذا يا خالة ؟!
أجابت خالتها طفول: إنها عين ماء تنبع من باطن الأرض وتكون هذه البحيرةُ الرائعة.
ردت عائشة: كأنها الزئبق.
عادت عائشة مع خالتها طفول للمنزل ، كان الجميع على مائدةِ طعام الغداء فشرعتا الإثنتان بالغداء مع العائلةِ ، وبعد الغداء أخذت عائشة تلعب في فناء المنزل المحاط بالأشجار وحظائر الحيوانات الأليفة من النوق والأبقار والماعز، وأثناء ما هي تلعب إذا بأرنب معه كرة بين الحشائش يناديها قائلا: عائشة تعالي نذهب إلى بحيرة الزئبق نلعب بالكرة ، قالت باندهاش : أرنب يتكلم ؟! قال الأرنب :أنا هيثم ابن خالتك طفول ،لقد سحرتني الساحرة وحولتني إلى أرنب ،قالت عائشة : وكيف أساعدك؟ قال الأرنب :يجب أن أسبح في بحيرة الزئبق حتى أرجع إلى طبيعتي البشرية .
قال الأرنب : أسفل الوادي هناك، توجد بحيرة الزئبق، فهما بالركض معا، وإذا بالساحرةِ أمامهم غاضبة وإذا بها تلقي عليهم سحرها، وسطع نور قوي من خِزامَتها حوَل عائشة إلى أرنب، ووضعتهما في حظيرة الجديان الصغيرة، ذات القفص الكبير، وأغلقت الباب عليهما بالمفتاحِ، وربطت المفتاح في” كِمْكامِها النِيلي “*(6)، وذهبت إلى الخارج، أخذت عائشة بالبكاء الشديد ولكن هيثم أخبرها أنه سيجد الحل.
عادت الساحرة لتسقي الجديان الصغار الحليب وبسبب قفز الجديان حولها؛ سقط كِمْكَامِها على الأرض بالقرب من الأرنبين ، مد الأرنب هيثم يده الصغيرة ليحصل على المفتاح ولكن لم يستطع، ثم مد إحدى ساقيه ولكن دون جدوى، أخبر عائشة وهمس لها في أذنها قائِلا: ماذا نفعل؟
قالت الأرنبة عائشة: سأحاول لعل يدي أطول من يدك، لقد نجحت وأمسكت بطرف الِكمْكَام وأخذت تسحبه شيئا فشيئا، حصلا على المفتاح، وفتحا القفص على مصراعيه وهربا معا، وهربت خلفهم الجديان الصغيرة، لحقت بهما الساحرة، عندها سطع نور قوي من خِزامتها حتى لمعت بحيرة الزئبق، فأسرعا الأرنبان إلى بحيرة الزئبق، وقفزا بقوة لفك السحر، وبسبب شدة برودة البحيرة الزئبقيةُ استفاقت عائشة من خيالاتها لتجد خالتها طفول أمامها وهيثم كان يبكي من شدة برودة الماء.
قالت الخالة طفول وهي تأنبهما: كيف وقعتما في حوض المواشي رد هيثم غاضباً: َهذا نتيجة خيالات عائش.
وتحمده الجدة الله على سلامتهم، قالت الخالة طفول: انتهى اللعب لنرجِع الجديان إلى الحظيرة، ونساعد الجدة الخيار؛ فقد أرهق تُموها، قالت عائشة مبتسمة بمكر: لم نكمل اللعب يا خالتي وما زلتُ أحلم ببحيرة الزئبق، قال هيثم غاضبا: سنكمل هذه الخيالات في الغد لنرجع الجديان الآن هيا.
وعاد الجميع للمنزل وحل المساء على تلك القرية الهانئة وصوت الحيوانات الأليفةِ، ورائحه اللبان تملأ المكان.
انتهت
معاني الكلمات: –
*1) الخيار: اسم من أسماء النساء في محافظة ظفار يعني الخيار الأفضل أي أن هذه المرأة هي الأفضل في النساء.
*2) البيضح: هو نبات جذري يأكل من الجذريات له زهرة بيضاء تشبه الزنبق.
*3) طفول: اسم من أسماء الإناث في محافظة ظفار يعني بداية غروب الشمس.
*4) الخزامة : هي حلية للنساء في ظفار توضع على الأنف حلقية الشكل.
*5) موروث: مجموعة من العادات والأعراف تأخذ من الأجداد.
*6) كِمْكامَها الِنيلي: هو غطاء يوضع على الرأس من قماش الطاقة النيلي ذو لون أزرق ويقال له أيضا باللهجة المحلية النقبة.