الأحد: 25 مايو 2025م - العدد رقم 2561
Adsense
مقالات صحفية

الإمام محمد بن الحسن الشيباني .. قصتان عميقتان من سيرته العظيمة

    كريم إبراهيم

هذا الإمام عظيمٌ جدًّا يكفيك أن تعرف أنه أحد أذكياء العالم، وأنه العالم الوحيد الذي ذكر الإمام الشافعي أنه ناظره فلم يتغير وجهه رغم أن المناظرة ذات شأن أي شأن. وهذان وصفان كبيران جدًّا، ومعناهما بأقرب عبارة: حسن خلق عالٍ مع علم واسعٍ فياض وفهم خارق. يقول عنه الشافعي: «لو أنصَف الناس الفقهاء لعَلموا أنهم لم يَروا مثلَ محمد بن الحسن، وما جالستُ فقيها قطّ أفقَهَ من محمد، ولا فتق لساني بالفقه مثله، لقد كان يُحسن من الفقه وأسبابه شيئًا يعجز عنه الأكابر». وأترك لك الإبحار في أعماق هذه الأوصاف وأدعوك إلى قراءة سيرته الحافلة. وقد وقفت على كتابين جليلين عنه: الإمام محمد بن الحسن الشيباني نابغة الفقه الإسلامي د. علي الندوي، ط 1994م، والإمام محمد بن الحسن الشيباني وأثره في الفقه الإسلامي د. محمد الدسوقي، ط. 1987م.

وأنتقل إلى القصتين: أولاهما: قصة طلبه للعلم وهي أشبه ما تكون بالكرامة، وقد بدا لي من سيرة الإمام محمد أنه صاحب كرامات عجيبة، والثانية وهو في سياقة الموت.

القصة الأولى: مر محمد بن الحسن بالمسجد الذي يعلِّم فيه أبو حنيفة فأصغى سمعه للإمام وهو يبين أن مذهبه في الصبي غير البالغ الذي صلى العشاء ثم انتبه من نومه وقد احتلم قبل انتهاء وقت العشاء فإن على هذا الغلام أن يعيد صلاة العشاء، وكان من قدر الله تعالى أن حدث للإمام محمد بن الحسن هذا الأمر فأتى المسجد وأعاد العشاء فرآه أبو حنيفة فاستفسره فأوضح له، فما كان من الإمام -وقد رأى هذا النبوغ وهذا الفهم وهذه التقوى- إلا أن طلب منه أن يلتحق بحلقته ليتعلم وبشَّره الإمام بالفلاح وقد كان الفلاح وأيُّ فلاح! وكان أبو حنيفة رحمه الله مبدعًا في التنبؤ بالنبوغ المبكر.

القصة الثانية: قيل: رئي محمد في المنام بعد وفاته، فقيل له: كيف كنت في حال النزع؟ فقال: كنت متأملا في مسألة من مسائل المكاتَب، فلم أشعر بخروج روحي. وقيل: إنه قال في آخر عمره: ‌شغلتني ‌مسائل ‌المكاتب عن الاستعداد لهذا اليوم. “وإنما قال ذلك تواضعًا”. هذه العبارة من كلام الزرنوجي معلقًا على كلمة الإمام محمد بن الحسن الشيباني. والمكاتب في زمنهم: وصفٌ للعبد المملوك الذي كاتب سيده أي: اتفق هو وسيده أن يعتقه مقابل مبلغ من المال يدفعه العبد أقساطًا لسيده. لفت نظري تعليق د. الندوي ومدى انسجامه مع تعليق الزرنوجي، فالإمام محمد بن الحسن كان مكثرا لدراسة ما يتعلق بالمكاتب، فقد كانت تجارة الرقيق وقتهم فاشية فكان الإمام حريصًا على أن يعالج جوانب هذا الموضوع كافة حتى يكون الفقه واقعيا يقدم حلولا ويتجاوب مع مقتضيات عصره.

ومن رحمة الله في كل عصر: أن يوجد الفقهاء يسلكون بالطلاب سبيل الفقه مع التشجيع والتبني العلمي، ومن أبرز النقاط التي يوجهونهم إليها: أن يعتنوا بقضايا عصرهم ومسائل زمانهم مع قياسه على ما مضى.

 ومن سيدات وفقيهات هذا العصر في هذا المضمار: أستاذتنا زينب أبو الفضل، ويكفي أن أذكر هنا أني ما فقهت الطريقة الشرعية الصحيحة في التعامل مع الشحاذين الملحفين الذي اتخذوا التسول مهنة إلا من سيادتها في مقالها الأخير مع تمام الاقتناع ووافر البصيرة، فجزاها الله عنا خير الجزاء وأوفاه. حقا: ما فتق بالفقه لساني مثلها. ولله الحمد ولها الشكر الجزيل.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights