نقطة أول السطر .. في الفقدِ نَفْسٌ تُكتم، ونبضٌ لا يُشفى..

عادل بن حميد الجامعي
ما أشدّ هذه الحياة حين تخلع منّا أحبّتنا كما تُنتزع الروح من الجسد.. ما أقساها حين تتركنا نُحدّق في الأماكن التي امتلأت بهم، ثم خلت فجأة.. بلا وداعٍ، بلا تفسيرٍ، بلا اكتمال!
الفقد ليس لحظة.. إنه إقامةٌ طويلة في صمتٍ لا يُحكى، وإن أقسى الفقد ما يكون فيمن كان أمانك الأول،
*أمّك* من كانت حضنًا فيه يُبكى وتُجبر الشروخ.
من كانت إذا قالت:*الله يرعاك*.. مشى قلبك آمِنًا لا يخشى شيئًا.
من كانت تعرف ألمك قبل أن تنطقه،
وتحبك بلا شروط، وتراها وأنت تُقبل جبينها، كأنك تُقبل الدنيا في أحنّ صورة..
وحين تغيب.. *يغيب الحنان كلّه، ويُصبح الكون غُربة، حتى لو امتلأ بالناس.*
وأما الأب..
فما أشدّ غيابه على فتاةٍ كانت تتقوّى بصوته، تطمئن حين ترى اسمه، وتبتسم حين تسمع خطاه من أول الشارع إلى منتهى حضنه.
تفقده فتفقد السند، والظلّ، والعين التي كانت تفرح بها لبسمتها..
وحين تُغلق عيناه.. *يُغلق باب كانت تطرق عليه في كل همٍّ وخوف.*
وثَم فقد *الزوجة.. الرفيقة، والصاحبة، وسند الأيام،* التي كانت تُرممك كلّما هدمتك الحياة، تربّت على قلبك كما لو أنها تحفظ نبضه، وتعرف مداخل ألمك قبل أن تذكرها.
ثم تمضي.. وتبقى كل الأمكنة بعدها *أقل دفئًا، أقل حياة!*
وأما الزوج الذي يُفقَد.. فما أقسى لوعته في قلب حبيبة رأت فيه العمر، من أحبّها في كل نسخها: الضعيفة، الغاضبة، الجميلة، المتعثّرة.. كان رفيقها في ضيقها، وشريكها في أحلامها، فإذا غاب، *لم تعد الحياة زوجين متقابلين، بل امرأة تتوسّد فراغًا.*
ثم آلمها وقعًا..
*فقد الابن..*
ذاك الجرح الذي لا يُسمى، ذاك الغياب الذي لا يُنسى.. هو ليس فقد قلبٍ صغيرٍ كان يكبر أمامك،
بل *فقد كل ما رجوته له، كل ما خططت من أجله، كل أحلامك التي حملتها عنه.*
وآخر الأمر وأوله لا نملك إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.. وإنا على فراقكم يا أحباب لمحزونون..
رحم الله العابرين وغفر لهم
ونسأل الله لآلهم وأحبابهم ودورهم وشوارعهم وحدائقهم الصبر والسلوان.. اللهم آمين.
وختاما: *ما أجمل الدنيا تغني حين ننشي الأغنيات، ما أجمل الدنيا تغني حين نولد أو نموت!*