لوجه الله .. أَم؟!

عادل بن حميد بن عبدالله الجامعي
في تعاملاتنا اليومية، نواجه أحيانًا من يطلب منا تقديم عمل -مجانًا- لوجه الله، رغم ضرورة إيفاء الأجور المستحقة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه‘ مشددًا على حقوق الأجير، ومن المفارقات، يُطلب منا تقديم برامج معينة محليًا مجانًا، بينما تتعاقد الجهة نفسها مع أشخاص من خارج الحدود وتدفع لهم مبالغ طائلة مع إقامة فاخرة! هذا استغلال للمصطلحات الشرعية يتنافى مع مبادئ الإسلام.. علينا احترام العقول قبل انحسارها والالتزام بالعدل، وأهل البلد أولى من غيرهم ما داموا متساوين في العلم والمعرفة والقدرة على تقديم البرنامج، بل وقد يتفوقوا على غيرهم.
في واقعنا اليومي، قد نواجه أحيانًا ظاهرة مقلقة تتكرر بشكل غير مبرر: مطالبة البعض الآخرين بتقديم أعمالهم وخدماتهم “لوجه الله”، دون النظر إلى حقوقهم المستحقة أو تقدير جهدهم المبذول. الدين الإسلامي، الذي يدعو إلى العدل والإنصاف، حذرنا من الاستغلال، بل أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بوضوح قائلًا: “أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه”، مؤكدًا على ضرورة حفظ حقوق العاملين. لكن ما يحدث في بعض الحالات يشير إلى استغلالٍ للمصطلحات الشرعية لتبرير تجاهل الحقوق، وهو استغلال ينافي قيم الإسلام الذي جعل العدل أساسًا للحياة. المفارقة الكبرى تكمن في أن الجهة التي تطالب بعمل مجاني من مواطنيها، لا تجد حرجًا في التعاقد مع خبراء -على حد قولها- من الخارج، وتقدم لهم أجورًا مرتفعة، إلى جانب إقامة فاخرة ومزايا استثنائية! هنا، يتحول الأمر إلى استنزاف للمواهب المحلية، وإهدارٍ لقيمة العقول الوطنية التي يُفترض أن تكون هي الأولى بالدعم والتقدير. هذا السلوك ليس مجرد خطأ إداري أو تقديري، بل هو سبب رئيسي لما يُعرف بـالاحتراق الذاتي. عندما يعمل الشخص من دون مقابل أو يشعر أن جهوده لا تجد التقدير، يبدأ تدريجيًا بفقدان شغفه وثقته بنفسه، ويدخل في حالة من التآكل النفسي والمعنوي.
هذا الاحتراق يؤثر على قدرة الشخص على الإبداع، ويقوده إلى حالة من انحسار القدرات، حيث يتوقف عن تقديم الأفضل لأنه ببساطة لا يرى قيمةً لما يقدمه. هذه الدائرة المفرغة من الاستغلال، الاحتراق، والانحسار تؤدي في النهاية إلى هجرة المواهب المحلية، سواء إلى بيئات عمل خارجية تُقدّر الجهد، أو إلى حالة من الإحباط تجعلهم يتخلون عن مجالاتهم بالكامل. كل ذلك نتيجة غياب رؤية واضحة تُحفّز الاستثمار في الكفاءات الوطنية. الاستثمار في العقول المحلية ليس خيارًا، بل ضرورة استراتيجية. عندما نمنح أبناء بلدنا الفرصة التي يستحقونها، فإننا نبني اقتصادًا معرفيا قويًا ونحقق استدامة حقيقية. العقول المحلية تمتلك القدرة على الابتكار والتطوير، ولكنها تحتاج إلى بيئة تحتضنها وتمنحها العدل والتقدير. احترام العقول يبدأ من تقدير الجهد وعدم انتقاص قيمته بحجة لوجه الله، -كل أعمالنا لوجه تعالى- لأن الله سبحانه يحب العدل والإنصاف. العمل التطوعي قيمة عظيمة، ولكن تقديمه ينبغي أن يكون برغبة ورضا، وليس بفرض أو استغلال.
فعلينا أن ندرك أن استغلال المواهب المحلية بحجة الدين أو الوطنية هو استنزاف لمواردنا البشرية، وبداية لانطفاء جذوة الإبداع. أما العدل في التعامل مع الكفاءات، فهو الضمانة لإنعاش العقول وحمايتها من الهجرة أو الانحسار. تذكروا دائمًا: العقول، إن لم تُحترم.. ستهاجر!