لبيك عمرة، رحلة إيمانية في رمضان

ثريا بنت حمود الراشدية

كان قرارنا بأداء العمرة في رمضان تعبيرًا عن شغف إيماني مشترك بيني وبين بنات العائلة، إذ لم يكن مجرد فكرة عابرة، بل كان نداءً ينبع من القلب.

انطلقنا من مسقط إلى مكة، حامليْن معنا دعوات صادقة، وقلوبنا مليئة بالشوق والروحانية.

ومع كل خطوة بين الطواف والسعي، كنا نغوص أكثر في عالم الخشوع والسكينة. لم تكن رحلتنا نتيجة تخطيط مسبق، بل كانت استجابة لرغبة حقيقية في استغلال بركات هذا الشهر المبارك.

بدأت رحلتنا الإيمانية يوم الأربعاء، الخامس من رمضان المبارك، حيث انطلقنا من مسقط متوجهين إلى جدة، برفقة ثلاثة من شباب العائلة من محارمنا، التزامًا برأي أهالينا بضرورة السفر مع محرم. وهكذا، اكتملت استعداداتنا للرحيل إلى أطهر بقاع الأرض، حيث تملأ السكينة والروحانية الأجواء.

وبينما كانت الطائرة تحلق في الأجواء، أعلن قائدها عن اقترابنا من الميقات، لحظة انتظرناها بشوق. ترددت في الأجواء كلمات خالدة، “لبيك عمرة”، بصوتٍ واحدٍ وقلبٍ واحد، في مشهدٍ جسّد خشوعًا لا يوصف. في تلك اللحظة، شعرنا وكأننا نقترب من رحاب الرحمة، حيث تُرفع الدعوات وتُستجاب الأمنيات.

وصلنا إلى مكة، حيث توافدت الحشود بشكلٍ مهيب، لكن قلوبنا كانت تنبض بالسكينة. انطلقنا لأداء العمرة، وعند طوافنا حول الكعبة، شعرنا بمدى قربنا من الله.

وعلى الرغم من الازدحام الشديد، تآخينا كالأشقاء، لئلا نضيع في زحام الجموع، وتشاركت قلوبنا في الذكر والدعاء، وكانت أيدينا متشابكة بقوة، وكأننا كيان واحد يتطلع نحو غاية نبيلة.

عندما بلغنا مقام إبراهيم، توقفنا لنؤدي صلاتنا في ذلك المكان، وكأننا نعيد إحياء لحظة تاريخية محورية تتجلى فيها معاني الإيمان العميقة.

وبعد الانتهاء من الصلاة، توجهنا إلى شرب ماء زمزم، الذي يعد رمزًا للبركة والراحة لأجسادنا وأرواحنا، حيث كانت كل قطرة من ماء زمزم تحمل معها دعواتنا وآمالنا.

ثم انطلقنا في سعيٍ متتابع بين الصفا والمروة، نخطو بخطوات متسارعة، نتذكر هاجر -عليها السلام- ونجدد الذكريات العطرة لدعاء النبي إبراهيم -عليه السلام- في هذا الموطن المبارك. كانت الأجواء مفعمة بالطاقة الروحية، والقلوب تغمرها معاني الإيمان. ورغم زحام الحشود، هرول الشباب بحماسة في المسعى، وكل واحد منا كان يسعى جاهداً لاغتنام هذه اللحظات النفيسة.

التحلل بالحلق أو التقصير بعد السعي بين الصفا والمروة:

وما إن أكملنا أشواط السعي السبعة، حتى حان وقت التحلل، فاجتمعنا في سكينة وخشوع، نتهيأ لختام هذه المرحلة من النسك. وقف الرجال بين الحلاقين، يودعون شعرهم طاعةً لله، ممتثلين لسنة النبي ﷺ بالحلق، بينما اكتفت النساء بأخذ شيء يسير من أطراف شعرهن، إحياءً لهذه الشعيرة العظيمة.

كانت لحظة التحلل تجسيدًا لفرحة عميقة وراحة لا يمكن وصفها، حيث شعرنا بخفة لا تُضاهى وكأن أعباء الحياة قد زالت مع خصلات الشعر المتساقطة. أعادت هذه اللحظة إلى قلوبنا نبض الطاعة والانقياد لله. تبادلنا النظرات والابتسامات تزين وجوهنا، بينما كانت عيوننا تتلألأ بنور الرضا والسكينة.

وفي صباح يوم الجمعة، قررنا الذهاب إلى المدينة المنورة، فركبنا قطار الحرمين في رحلة استغرقت حوالي ساعتين. وصلنا قبل أذان الجمعة، فتوجهنا مباشرة إلى المسجد النبوي، حيث كانت الخطبة تتناول معانٍ عميقة حول الشهر الكريم، وكان المكان مليئًا بالخضوع والسكينة، وسط المصلين الذين عاشوا لحظات تواضع أمام الله.

بعد الصلاة، قمنا بجولة قصيرة حول الأسواق التي تحيط بالمسجد، حيث اشترينا بعض الهدايا البسيطة التي تذكرنا بهذه الرحلة المباركة، ومع اقتراب وقت الإفطار، عدنا إلى المسجد النبوي، حيث شاركنا أهل المدينة في إفطار رمضان داخل المسجد.

بعد الإفطار، عدنا إلى محطة القطار لنعود إلى مكة، حيث استعدنا شريط الذكريات الجميلة التي عشناها في المدينة المنورة، مع مشاعر من السكينة الروحية التي غمرت رحلتنا.

تعتبر تجربة السفر بالقطار مريحة وممتعة، حيث تغمرنا بمشاعر تتجاوز الإرهاق، وتعيد إلى ذاكرتنا لحظات رائعة عشناها في مكة، حيث يختلط الشعور الروحي برائحة الإيمان، مما يجعلنا نعجز عن وصفه بالكلمات.

في مكة، واصلنا رحلتنا حتى يوم السبت، الثامن من رمضان. خلال هذه الأيام الرائعة، كانت قلوبنا مليئة بالدعاء لله، وشعرنا بالسكينة التي تهدئ أرواحنا. لم نرغب في مغادرة هذا المكان المقدس، حيث أحسسنا وكأننا نترك جزءاً من أنفسنا وراءنا.

وفي لحظة الوداع، وقفنا أمام الكعبة المشرفة، ورفعنا أيدينا بالدعاء، نطلب من الله أن يعيدنا إلى هذا المكان المبارك في أقرب وقت، وأن يتقبل منا كل ما بذلناه من جهد.

لم تكن تلك الرحلة مجرد أداء لمناسك العمرة فحسب، بل مثلت تجربة روحية ساحرة، تعزز الروابط بين القلوب، وتعمق الصلة بالخالق.

كانت رحلة مليئة بالخشوع والدعاء، تجسد أروع معاني الأخوة والإيمان في رحاب شهر رمضان المبارك.

لغات أخرى – Translate

Arabic

Afrikaans Albanian Amharic Arabic Armenian Azerbaijani Basque Belarusian Bengali Bosnian Bulgarian Catalan Cebuano Chichewa Chinese (Simplified) Chinese (Traditional) Corsican Croatian Czech Danish Dutch English Esperanto Estonian Filipino Finnish French Frisian Galician Georgian German Greek Gujarati Haitian Creole Hausa Hawaiian Hebrew Hindi Hmong Hungarian Icelandic Igbo Indonesian Irish Italian Japanese Javanese Kannada Kazakh Khmer Korean Kurdish (Kurmanji) Kyrgyz Lao Latin Latvian Lithuanian Luxembourgish Macedonian Malagasy Malay Malayalam Maltese Maori Marathi Mongolian Myanmar (Burmese) Nepali Norwegian Pashto Persian Polish Portuguese Punjabi Romanian Russian Samoan Scottish Gaelic Serbian Sesotho Shona Sindhi Sinhala Slovak Slovenian Somali Spanish Sundanese Swahili Swedish Tajik Tamil Telugu Thai Turkish Ukrainian Urdu Uzbek Vietnamese Welsh Xhosa Yiddish Yoruba Zulu

Arabic

Afrikaans Albanian Amharic Arabic Armenian Azerbaijani Basque Belarusian Bengali Bosnian Bulgarian Catalan Cebuano Chichewa Chinese (Simplified) Chinese (Traditional) Corsican Croatian Czech Danish Dutch English Esperanto Estonian Filipino Finnish French Frisian Galician Georgian German Greek Gujarati Haitian Creole Hausa Hawaiian Hebrew Hindi Hmong Hungarian Icelandic Igbo Indonesian Irish Italian Japanese Javanese Kannada Kazakh Khmer Korean Kurdish (Kurmanji) Kyrgyz Lao Latin Latvian Lithuanian Luxembourgish Macedonian Malagasy Malay Malayalam Maltese Maori Marathi Mongolian Myanmar (Burmese) Nepali Norwegian Pashto Persian Polish Portuguese Punjabi Romanian Russian Samoan Scottish Gaelic Serbian Sesotho Shona Sindhi Sinhala Slovak Slovenian Somali Spanish Sundanese Swahili Swedish Tajik Tamil Telugu Thai Turkish Ukrainian Urdu Uzbek Vietnamese Welsh Xhosa Yiddish Yoruba Zulu