الإثنين: 24 مارس 2025م - العدد رقم 2499
Adsense
مقالات صحفية

الهروب من الكلب الأسود

د.رقية بنت عديم الفوري

الكلب الأسود هو الوصف الذي أطلقه السياسي البريطاني الراحل “ونستون تشرشل” على نوبات الاكتئاب التي كان يعاني منها، وبعدها اعتمدت منظمة الصحة العالمية هذا المصطلح كمسمى آخر للاكتئاب، إذ أنه يشبه الكلب الذي ينهش القلب والجسد، فهو سرطان يصيب الروح، وثقب أسود يبتلع الحياة ويفقدها جدواها لدى المصابين به، وللأسف أنه يعطل التفكير المنطقي والإرادة وحياة الإنسان.

في حياتنا، نواجه جميعًا لحظات من الحزن والألم. ومن أكبر مهالك النفس أن نترك أنفسنا للوحدة والعزلة ونجعل الاكتئاب يتسرب إلى حياتنا دون أن نخبر المحيطين بنا بمعاناتنا.

إن إدراك أننا لسنا وحدنا في مشاعرنا يشكل خطوة أولى نحو الشفاء، ويعد كل موقف حزين كمحطة قطار شخصية لكل شخص، فقد تكون هذه الرحلة شاقة طويلة أو قصيرة عابرة.
وفي هذا المقال أسلط الضوء على الرحلات الطويلة والتي تنعكس من خلالها قدرتنا في التعامل مع الفقدان والخسارة، والتي قد تتسبب في الوحدة، والضياع. فعندما يخسر الشخص شيئًا مهمًا، يمكن أن تتغير حياته بالكامل؛ مما يؤدي إلى صراعات نفسية ودوافع متضاربة.
من المهم أن نفهم أن كل فرد يتفاعل بشكل مختلف مع الفقد، فهناك من يختار الانطواء، وآخرون قد يعبرون عن مشاعرهم بشكل واضح. هذا التنوع في ردود الفعل يعكس كيفية تعامل الأفراد مع الصدمة العاطفية.
وللتعافي من الصدمات العاطفية قدمت عالمة النفس “إليزابيث كوبلر روس” نموذجا تمر به النفس الحزينة بخمس مراحل، ولإحداث التعافي سريعا يجب التعامل مع هذه المراحل بعناية وحذر ودعم نفسي.
وتنقسم هذه المراحل إلى: الإنكار (عدم التصديق)، والغضب، والمساومة، والاكتئاب، والتقبل.
1-مرحلة الإنكار: وهي عدم استجابة الدماغ التلقائي للأخبار غير المرغوب فيها وإنكار القلب ليعطيك الوقت للتكيف مع الوضع الجديد، ففي مرحلة الإنكار يشعر الإنسان وكأنه يحلم وأنه سيصحو من الحلم يوما وتعود الأمور إلى سابق عهدها، سواء انتهاء علاقة أو موت أو فقد أو خسارة شيء..
2-مرحلة الغضب: وهي مرحلة انتقالية مهمة جدا وشعور صحي تماما، ويكشف الألم الأساسي ويجعلك تبدأ مرحلة التصديق، فتشعر بالغضب من الشخص الذي تسبب بالألم أو شريك حياتك المفقودة. أو بالغضب من نفسك للسماح لعلاقتك بأن تتضاءل أو من الظروف
3- مرحلة الاكتئاب: وتأتي عندما ينفض الداعمون من حول الشخص ويظنونه قد عبر الموقف؛ فيعود للوحدة والعزلة ويسود الصمت حوله. ومرحلة الاكتئاب طبيعية ولا بد أن يمر بها الشخص ولكن يجب أن تكون أقصر المراحل عمرا حتى لا تتحول إلى عرض نفسي يحتاج إلى معالجة وتظهر مضاعفاته. وهذه المرحلة من أقصر المراحل عمرا ولكن من أشدها خطورة ويحتاج فيها الشخص لقتل الوقت بالعمل المنتج أو اللجوء إلى الخالق ليساعده في كل حين..
4-مرحلة المساومة: ولعلها أطرف المراحل؛ وهي محاولة الذات للخروج من الحزن ولكن بأقل الخسائر، وهي ما يحدث عندما تمر ذكرى الموقف، فتجد الشخص غارق أحيانا في الحزن وفي يوم تجده عاد شخص عادي وكأن لم يمر بحزن. ويحتاج الشخص في هذه المرحلة لمن يساعده كثيرا؛ فهي كمن يحاول أن يمشي على حبل معلق ورجله مكسورة ليقول للعالم ها أنا أصبحت سليما..
5- مرحلة القبول: سواء للخسارة أو انتهاء العلاقة وقبول حقيقة المرض، فيبدأ بالشفاء، ويظهر تحسن في المزاج الخاص والعودة للحياة. ولكن لن يكون الشخص بعد المرور بموقف الحزن كمثله قبل الموقف، وسيبقى هناك ما يسمى بندبات الأسى وتظهر في لغة جسده لفترة تطول أو تقصر.
ترى “إليزابيث كوبلر روس” المعالجة النفسية والخبيرة في مراحل الحزن؛ أن المرء قد يحتاج عام إلى 18 شهر تقريباً لتجاوز أزمة الحزن وآلامه، كما تشير أن الإنسان يجب أن يعيش الحزن بكل تفاصيله كما يعيش الفرح حتى يعبر الأزمة بسلام ولا يخادع نفسه بتجاوزها دون معايشة، محذرة من إيذاء الجسد من أجل التعبير عن الحزن.
لذلك فإن معرفتنا بهذه المراحل تساعدك على تجاوزها سريعًا.. وهناك طرق تخفف من شدّة الحزن وتساعد على تجاوزه سريعا؛ وأول هذه العلاجات وأكثرها أهمية هي الطبيب والتي يخجل مجتمعنا الشرقي بالاعتراف به أو اللجوء إليه في الحالات النفسية، ويتأخرون إلى أن يتفاقم افتراس هذا الكلب الأسود لهم.
ثم عليك بتوطيد النفس على الصبر على مر القضاء والقدر، وتوكيل النفس لخالقها سبحانه وتعالى، والإقبال على الصلاة لما فيها من مناجاة لله تعالى، وراحة للروح والقلب، والإهتمام بالأكل الصحي وشرب الماء وممارسة الرياضة والمشي، والإندماج مع الآخرين. حاول الإندماج مع الآخرين، أو إنشغل بالعمل التطوعي؛ لتلامس مشاعر الناس وتشعر بالسعادة لفرحهم..
عبر عن مشاعرك، لا تجعلها مكبوتة في القلب والعقل.. حاول إعادة ترتيب نفسك بعد تقبل الحقيقة؛ فالجرح يلتئم شيئاً فشيئاً، وقد يترك جرح الحزن ندوباً، لكن يجب أن تتوقف عن كثرة لوم نفسك ومعاتبتها، تفهم أنه حان الوقت للاستمتاع بالحياة بكل تفاصيلها.
إن الإنتقال من الألم إلى الأمل يتطلب الوعي والإرادة، ويجب علينا أن نسمح لأنفسنا بالشعور بالألم، ولكن علينا أن نبحث عن الطرق التي تساعدنا في الشفاء.
عزيزي القارئ، لو كان لقلب المكتئب لسانا لقال هذي الكلمات:
الأمر ليس اختيارًا لي صدقًا، إنني أحب الحياة مثلكم، أحزن لدموع أهلي بعدي!
لكن في لحظة أجد الظلام يحيط بي.. ثم أتخيل ذلك الضوء في آخر النفق.. يلوح لي كأمل خلاص ليس من ذاك الألم فقط بل من الحياة جميعها… فأسرع إليه طلبًا للراحة.. لأهرب من ذاك الوحش الذي يمزقني من الداخل
أمسك يدي.. احتضني بشدة دعني أبكي لعلي أجد راحة بين ذراعيك!
هل تكون صديقًا وفيًا.. تحميني منه.. إنني خائف بشدة!
إياك أن تسمح لي أن أستسلم له؛ فستخسرني إلى الأبد!
ثم لا تنساني من الدعاء أن يرزقني الله القوة.. لإكمال الطريق!

عزيزي القاريء
كن لهم ذلك النور في آخر النفق، وامنحهم الأمل الذي يأخذ بأيديهم ويخفف عنهم أحزانهم، وإياك أن تسمح لهم بالاستسلام..
ولكل من يشعر بالغرق في الظلمة، أن تخرج منها للنور، هو فقط قرار صغير يتطلب منك شجاعة، وأن تقف وتقول أنك ستقاتل!
تتوكل على الله وتطلب عونه، وأن يرزقك قدرا جميلاً تشعر أن معه خيط النور التي تبحث عنه.. ويستطيع أن يساعدك لتنسج به عالمك الجديد..

الأمر ليس هينًا.. ولكن حياتك تستحق أن تقاتل من أجلها وتأخذ خطوة! قرار يغير لك حياتك!
الأمل عملية تستغرق وقتًا، لكنه يستحق الجهد المبذول؛ فكن قوياً لأجلك.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights