2025م
Adsense
مقالات صحفية

صداقات الأبناء بين نفعها وضررها

مَيّاء الصوافية

يقول أفلاطون:”يمكنك اكتشاف المزيد عن شخص ما في ساعة من اللعب أكثر من اكتشافه في عام من الحديث”.

  استوقفني قول أفلاطون هذا وأنا أبحث عن مدلولات تعبر عن الصداقة بمفوهمها الصادق، ومعناها السامي وركيزتها الحيوية في حياة الإنسان؛ فأحببت أن أكتب عن صداقات أبنائنا اليافعين، وأقارنها بين حال صداقاتنا والنفوس ما زالت على فطرتها، والحياة على طبيعتها، وحال صداقاتهم اليوم في عالم يعجّ بتقنيات التواصل الحديثة والعولمة، ومظاهر الكماليات.

 إن تعريفي للصداقة الصادقة بأنها ما هي إلا صداقة شد الزمان والمكان وثاقها فغلظت وقويت؛ فأصبحت العلاقة فيها كعلاقة الإنسان بأساسياته في الحياة، ومن أجل استمرارها يعطي الطرف الأول كل موجبات العلاقة الصادقة التي تزيد من هذه الصداقة، ويقابله الطرف الآخر بمعين عطائه؛ لتستمر هذه الصداقة، وليتحقق الإخاء الدائم، والمودة الخالصة.

 إذا ما تمعنا في معنى قول أفلاطون ما هو إلا مفهوم لاكتشاف الذات البشرية، وبأن الصديق يعرف حقيقة صديقه من خلال منافسته على شيء معين، أو مغالبته على أمر محدد أكثر من الحديث القائم بينهما؛ نعم، فإن المنافسة القائمة على محاولة كلا الطرفين في إبراز الذات، والانتصار على الند الذي تساوى معه ذلك الند الذي أراد أن يريه أسلوبه في الوصول إلى الفوز، ويطلعه على طريقته التي اتبعها، وهل كان أسلوبه راقيا، وهل طريقته التي سار عليها لم تتعد على الطرف الآخر، أو أنه يحاول أن يصل إلى الفوز بالطرق الملتوية، وبالصعود على أكتاف الند، وبالفوز عليه بالأخلاقيات التي لا يقرها الشرع؟ من هنا نصل بأن المنافسة على شيء يقوم على التقييم يبين لي معدن المنافس، أو الصديق … وهل هو مع المنافسة الشريفة، والرضا بالنتيجة، وإن كانت على غير طموحه، وعلى غير خط هدفه، ولم يختلق وجهات ملتوية؛ ليحقق الظفر، ونشوة الظفر؛ فهو بهذا منافس شريف، وصديق صادق مخلص، وعلى الخلاف إن اتبع حبّ النفس، وتخلى عن ميثاق العهد، وعن السير الصحيح للمنافسة الشريفة؛ فهو بهذا منافس ليس من المعدن الشريف.

إن طبيعة المنافسة في السابق كانت على طبيعتها، وبأدواتها البسيطة، وعالمها الواضح، وعلى أخلاقياتها الفاضلة، ومظهرها العفوي؛

لذلك كانت الصداقة المتكونة منها صادقة مهذّبة للأخلاق، وتحاول أن تصل بطرفيها إلى الفضيلة، ونقيس قول أفلاطون أيضا على العلاقات والتجارب العملية، وحتى الشدائد التي يتعرض لها أي طرف من أطراف الصداقة، ولا نقصرها على اللعب فقط، فاللعب هو رمز للتجارب في محاولة اكتشاف الند، أما الآن – ولا أعمم الأمر – فصداقات أبنائنا اليوم في عالم يعج بتقنيات التواصل الحديث، أصبحت صداقات معظمها ليست على طبيعتها، وليست بأدواتها البسيطة، وبعالمها النقي، أصبحت وسائلها عالم الشاشات الافتراضي، وأدواتها مكلفة؛ فلها ما لها من التنافس بين الأصدقاء لشراء كل جديد، وإذا ما نظرنا إلى قول أفلاطون بأن اللعب تجربة من التجارب التي تبرز حقيقة الصداقة، وإذا تمعنا في مفهوم الصداقة الآن وتفحصناها بعين أفلاطون سنجد بأن اللعب ليس في هوائه النقي؛ لأنه يعتريه لبس الأقنعة؛ فكل يظهر بمظهره غير الصحيح، وكل يحاول إبراز ذاته على حساب صديقة؛ أو منافسه، وفي هذه الصداقات يكتسب أبناؤنا من هذا العالم صداقات لكنها ليست حقيقية أصيلة، وتضر بالأبناء أكثر مما تنفعهم، وباتت أغلب صداقات اليوم في الأشياء غير الصالحة، وبأنها مضيعة للوقت والمال، فصداقة المكان والجوار والزملاء قلت؛ لأن الصداقة أصبحت صداقات وهمية، أصبحت صداقة الكلام لا الفعل، وصداقة الماديات لا المعنويات، إن صداقة على هذا المنوال لا تنفع المجتمع؛ لأنها لا تجعل النشء متعاونين، و أغلبها صداقات تتعدى حدود من يتقاسمون معهم المكان والدم؛ فأصبحت الصداقة تتعدى الأهل والجوار إلى صداقات بعيدة بمن يحيطون بهم من عالم، وصداقة بهذا النمط تضر بالمجتمع، وتجعل أفراده غير نافعين، ولا يسيرون إلى الوجهة الصحيحة لبناء مجتمعاتهم، وتجعله غير متماسك، ويجب علينا أن نوجه أبناءنا إلى الصداقة الحقيقية، التي تعزز قيمهم، وتسمو بفكرهم، وعلى الأخص صداقات الأهل والجوار والزملاء؛ وبهذا ستنتشر المحبة، وسيسود التعاون، والانتماء للوطن.

 

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights