حكايتي مع مسن ( ج 4 )
سميرة أمبوسعيدية
حكايتي اليوم مع أحد الآباء بولايتي ، رجلٌ طيب القلب وعامل مجتهد، كان يعمل بجد لتوفير حياة كريمة لأبنائه الثلاثة (ولدان وابنة واحدة). كان يكدح في عمله، ويستيقظ كل صباح قبل شروق الشمس ليعمل في الأرض ويجمع المال لتأمين احتياجات أسرته.
على الرغم من صعوبات الحياة، كان الأب دائمًا يحرص على تعليم أبنائه وتوفير كل ما يحتاجونه، كان يحلم بأن يصبحوا أطباء ومهندسين، ويعمل بجد لتحقيق هذا الحلم وكان يخصص جزءًا من راتبه لتعليمهم في أفضل المدارس، ويشجعهم على الدراسة والاجتهاد.
ومع مرور الوقت، كبر الأبناء وأصبحوا في مرحلة الشباب، لكن مع الأسف، بدأت الأمور تتغير، تأثرت علاقاتهم مع والدهم بسبب انشغالهم في حياتهم الخاصة، وبدأوا يشعرون بأنهم مستقلون ولا يحتاجون إلى نصائح والدهم، ومع مرور الوقت، بدأوا يتجاهلون مشاعر والدهم وتضحياته.
في يوم من الأيام، تعرض الأب لوعكة صحية شديدة، مما جعله غير قادر على العمل، بدأ الأبناء يشعرون بالقلق، لكن بدلاً من تقديم الدعم المعنوي لوالدهم ، بدأوا يتحدثون عن كيفية إدارة أموال والدهم، ومع تدهور حالته الصحية، قرر الأبناء اتخاذ قرار صعب وهو وضع والدهم تحت الحجر الصحي، بحجة أنهم يريدون حمايته ولم يلقوا بالًا لحالته النفسية .
شعر الأب بالحزن والألم، ليس فقط بسبب مرضه، ولكن أيضًا بسبب شعوره بالخيانة من قبل أبنائه الذين ضحى من أجلهم بكل شيء، كان يتمنى أن يقفوا بجانبه في محنته، لكنهم اختاروا السيطرة على حياته بدلاً من تقديم الدعم والوقوف بجانبه، وأخذ يتساءل هل أخطأ في تربيتهم أم في تدليلهم الزائد ورعايتهم، ثم هل هذا جزاء رد الإحسان الذي فعله من أجلهم ومن أجل تعليمهم ليصبحوا قساة دون رد المعروف بالمعروف؟
هذه حسرة وخسارة وقت ضيعه في شبابه لأجل أبناء لا يستحقون تضحياته ومعاناته.
مرت الأيام، وبدأ الأبناء يدركون خطأهم، كانوا يعيشون في حالة من الندم، أدركوا أن والدهم كان دائمًا يسعى لراحتهم وسعادتهم، قرروا أخيرًا الاعتذار له، وطلبوا منه السماح، لكن الأب كان قد تألم كثيرًا، واحتاج إلى وقت للتعافي من جراحه النفسية، لأن تلك هي كينونة النفس البشرية لا ترضى الذل والمهانة فلا يشفي اعتذار بعد جراح وألم طويل، يحتاج الأمر طويلًا كي يجدد هذا الأب الثقة بأبنائه.
في النهاية، تعلم الأبناء درسًا قاسيًا عن أهمية العائلة والتضحية، أدركوا أن الحب والاحترام هما أساس أي علاقة، وأنه لا يمكنهم الاستغناء عن والدهم الذي ضحى بكل شيء من أجلهم، بدأت الأمور تتحسن تدريجيًا، وعادوا إلى والدهم ليعيدوا بناء العلاقة التي كادت أن تتلاشى، لكن ذلك كان بعد تأكد أبوهم من أنهم فعلًا أبناءه الذين يعرفهم وأن تجديد بناء العلاقة كان من نيتهم الصادقة وليست الخبيثة التي تتصنع التمثيل أمامه، بل كان ظنه أنهم أتوا بعد طوال هذه المدة من أجل الحصول على الميراث بعد وفاته، وأنا لا أستطيع لومه على هذا خاصةً بعد ما تلقاه من صدمة عمره التي كادت أن تودي بحياته إلى المهالك، فالحمدلله الذي جمعهم على خير بعد كل هذا.