مقال: وظائف المستقبل في ظل الثورات الصناعية
أحمد بن موسى بن محمد البلوشي
هل هناك تخوف وقلق يخيم في العالم حول اختفاء الوظائف لصالح الروبوتات والذكاء الاصطناعي؟ وما هي الوظائف التي يمكن أن تقوم بها الآلة؟
قبل البدء في صلب الموضوع سنتحدث قليلًا عن الثورة الصناعية الرابعة، في سويسرا من عام 2016م أطلق المنتدى الاقتصادي العالمي تسمية “الثورة الصناعية الرابعة”على السلسلة الأخيرة من سلاسل الثورات الصناعية، ويقول البروفيسورالألماني Klaus Martin Schwab المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى، في مستهل أعمال المؤتمر “إن حجم التحوُّل ونطاقه وتعقيداته، سيكون مختلفاً عما شهدته البشرية من قبل”. الثورات الصناعية الثلاث السابقة أحدثت تطورات وتغيرات كثيرة على حياتنا، تمثلت بالتطور الزراعي في كل مجالاته والذي استمر قرابة عشرة آلاف سنة تقريبا، إلى حياة تعتمد على التكنولوجيا في الكثير من الجوانب. ونحن الآن على شفا ثورة تكنولوجية هائلة ستُغير طريقة الحياة التي نعيشها ونعمل بها، وسيكون هناك تغير كبير في نظام الوظائف. وتنطلق الثورة الصناعية الرابعة من الإنجازات الهائلة التي حققتها الثورة الصناعية الثالثة، خاصة شبكة الإنترنت وطاقة المعالجة (Processing) الهائلة، والإمكانات غير المحدودة للوصول إلى المعرفة، والقدرة على تخزين المعلومات، فهذه الإنجازات تفتح اليوم الأبواب أمام احتمالات لامحدودة من خلال الاختراقات الكبيرة لتكنولوجيات ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، الطباعة ثلاثية الأبعاد، إنترنت الأشياء، علم المواد، المركبات ذاتية القيادة، تكنولوجيا النانو، التكنولوجيا الحيوية، الحوسبة الكمومية، وسلسلة الكتل (Block chain)، وغيرها.
إن وجود عنصر ذكي، وقادر ومتقن في فريق العمل يمثل أحد الأصول الثمينة لأي فريق، سواء كان هذا العنصر بشريًا أو غير ذلك. وتحقيقًا لهذه الغاية، يمكن للذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب أن يعمل إلى جانبنا ويساعدنا في العديد من الصناعات، بما في ذلك مراقب الحركة الجوية، الاتصالات، عامل مصنع، الطيران التجاري، مترجم، الطب، وفي وقت لاحق الدفاع العسكري واستكشاف الفضاء. وقد يصبح الذكاء الاصطناعي مفيدًا جدا لدرجة أنه يرجح أن يثبت فعالية أكبر منا في تنفيذ مهامنا الوظيفية، لذا قد يُستبدل البعض منا في نهاية المطاف.
ويتفق معظم الخبراء على أن صعود الذكاء الاصطناعي سيُحدث تغيرات كبيرة في العديد من مجالات العمل، ويجب هنا التنويه إلى حقيقة، وهي أن نسبة الوظائف التي اختفت من الزراعة والصناعة، خلال الثورة الصناعية الثالثة، تم استيعابها في قطاع الخدمات، فهل هناك قطاع سيظهر ويستوعب كل العاطلين عن العمل كما هو متوقع؟. ففي دراسة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي 2015م ، والتي شملت 34 دولة أغلبها من الدولة الغنية، وأسفرت نتائج الدراسة إلى أن 14% من الوظائف معرضة لخطر كبير، و32% معرضة لخطر أقل، وأن 201 ملايين وظيفة في هذه الدول معرضة للخطر بسبب صعود الذكاء الاصطناعي، وفي دراسة أخرى أجرتها جامعة أكسفورد 2013م، والتي شملت ما يقارب 702 وظيفة بالولايات المتحدة الأمريكية، وأفادة بأن ما يقارب 75% من الوظائف يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام بها.
ومن جانب آخر كان للثورات الصناعية الفضل في انتشار وتطوير التعليم وارتقائه بأنواعه ومستوياته وتخصصاته المختلفة في المجتمعات تدريجياً وتلقائياً مع تطور تلك المجتمعات ومع تقدمها الصناعي والتكنولوجي والرقمي والمعرفي. فمن المتوقع بأن هناك العديد من الوظائف المُهدَّدة بخطر الاختفاء. وكذلك من المتوقع ظهور وظائف جديدة بسب تعلق ذلك بواقع التعليم ومستقبله، أغلب الانظمة التعليمية الحالية قائمة على الاقتصاد الصناعي الذي هو حالياً آخذٌ بالأتمتة، وعليه يجب على الانظمة التعليمية أن تلحق بالتطورات الحاصلة والمرتقبة، ويمكن القول هنا نحن لا نستطيع تعليم أولادنا أن ينافسوا الآلات في العمل، بل يمكننا أن نوجههم في اختيار التخصص المناسب، حيث أن وظائف المستقبل هي التي لا تستطيع الآلة القيام بها. وهناك عدة مجالات سيبقى البشر يتغلبون عليها على الآلة في المدى البعيد مثل: الأبداع الشخصي ويشمل الفن بأنواعه مثل( الكتابة، الرسم، ريادة الأعمال …الخ)، التمريض ومجال الرعاية، علماء الابحاث والمهندسين، ومبرمجي الحاسوب وغيرها من الوظائف. ولذلك فإن الذكاء الاصطناعي قد يتولى زمام القيادة في نهاية المطاف. لكن ليس بالطريقة التي قد نتوقعها تماما. وقد بدأ بالفعل عصر الذكاء الاصطناعي، وستزداد وتيرة التقدم في هذا المجال باطراد.
يقول ألفين توفلير في كتابه “صدمات المستقبل”: “إن الأميين في القرن الحادي والعشرين لن يكونوا أولئك الذين لا يعرفون القراءة والكتابة، ولكن أولئك الذين لا يستطيعون التعلم، أو لا يستطيعون التخلي عما تعلموه، أو لا يستطيعون إعادة التعلم”.