لكننا لا نزالُ نحلمُ!
مريم الجابرية
كان يحملُ شوقَهُ في حقائبِ السفرِ، متلهفًا للِّقاءِ السعيدِ.
سنواتٌ طويلةٌ قضاها في الغربة، كم يكرهُ الغربةَ!
كبرت ملامحُهُ هناك، تغيرت أفكارُهُ، نضجت أحلامُهُ، لكنَّ شيئًا واحدًا بقي كما هو: حبُّهُ لوطنِهِ.
عاد فخورًا بنفسِهِ، فقد نهلَ من العلومِ أكثرَها نفعًا له ولبلادِهِ.
تساءلَ: “ماذا سأخبرُ أمي عن تلك البلادِ؟”
تلك البلادِ التي يُصارعُ فيها الناسُ الثواني لإنجازِ المهامِ… ليتها فقط تقتنعُ باستخدامِ التكنولوجيا في غسيلِ الأواني.
وماذا عن أبي؟
“كم درستُ، وكم كتبتُ من الأبحاثِ، وكم التقيتُ من الخبراءِ!”
وماذا عن قريتي؟
“الكثيرُ ينتظرُني لتغييرهِ… نحوَ الأفضلِ، بالطبعِ”
كان يعلمُ أنَّ ثمنَ الغربةِ كان علمًا نافعًا، وهذا عزاؤُهُ.
ابتسمَ لكلِّ من قابلَهُ في المطارِ والطائرةِ.
الساعاتُ الطويلةُ والمرهِقةُ لم تكنْ سوى محطةِ انتظارٍ… لحلمِ اللقاءِ.
طال انتظارهُ لكلِّ شيءٍ.
يحملُ حقيبتَهُ بعنايةٍ، كأنَّها تحوي كنزًا ثمينًا، فيها شهادتُهُ الكبيرةُ من إحدى أعرقِ جامعاتِ العالمِ، يعاملُها معاملةَ الرضيعِ.
ويمضي.
وصلَ أخيرًا، وحلَّت طائرتُهُ أرضَ الوطنِ.
في سيارةِ الأجرةِ التي تقلُّهُ إلى قريتِهِ، تصفحَ هاتفَهُ النقالَ.
رسائلُ من الأهلِ والأصدقاءِ، مليئةٌ بالشوقِ والترحيبِ.
لكنْ هناك خبرٌ تصدَّرَ كلَّ شيءٍ.
خبرٌ يملأ وسائلَ التواصلِ:
“وظيفةُ دكتوراهٍ بـ325 ريالًا”.
ابتلعَ ريقَهُ.
اسودَّت الدنيا في عينَيْهِ.
أغلقَ الهاتفَ.
ثم تمنى… لو كان هذا مجردَ كابوسٍ عابرٍ.
لكنْ لا مجالَ للاستسلامِ.
مضى للحلمِ… ولكفاحٍ جديدٍ، هذه المرةَ على أرضِ الوطنِ.