التهافت على العروض: بين الحاجة الحقيقية والاستهلاك المفرط
ناصر بن خميس السويدي
ما الذي يحدث؟ ما إن تعلن شركة عن إجراء تنزيلات على سلع معينة حتى يتهافت الناس بشكل ملفت للانتباه. تزاحم شديد على الأبواب وكأنهم لم يشتروا سلعة من قبل! وعندما تدخل إلى المحل – إذا استطعت تجاوز الزحام – ترى الناس يتهافتون على أخذ كل ما تقع عليه عيونهم دون تفكير أو حساب. أمر مستغرب صراحة…
هذا السلوك يعكس أمورًا عدة، قد تكون منها طبيعة الناس في استغلال الفرص بغض النظر عن الاحتياج الفعلي، أو ربما الخوف من فقدان فرصة الشراء بسعر منخفض. كما لا يمكن إنكار تأثير الحملات الإعلانية الجاذبة التي توهم الزبائن بأنهم يحصلون على صفقة العمر.
لكن اللافت هنا هو تساؤل حول السبب الحقيقي وراء هذا السلوك الجماعي: هل هو بالفعل ضغط اقتصادي يجعل الناس يطمعون في الحصول على أي شيء بتخفيض؟ أم أن هناك ثقافة استهلاكية تحركها العروض وتدفع الناس إلى الشراء حتى وإن لم يكونوا بحاجة حقيقية لهذه السلع؟
ما يحدث يسلط الضوء أيضًا على غياب الوعي الاستهلاكي لدى البعض، حيث يتم الخلط بين الحاجة والرغبة. قد نجد أشخاصًا يشترون بضائع لمجرد أنها ضمن التنزيلات، دون التفكير فيما إذا كانوا يحتاجونها فعلًا أو إذا كانت ستُستخدم لاحقًا، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى الإسراف والتبذير.
من جهة أخرى، يمكن أن يكون لهذا السلوك تبعات سلبية على السوق والمجتمع؛ فالتزاحم غير المنظم قد يؤدي إلى شجارات، خسائر، أو حتى إصابات بين الزبائن. كذلك، قد تحرم هذه الظاهرة من هم أكثر حاجة للسلع من الوصول إليها، إذ يتم شراء الكميات الهائلة بشكل مبالغ فيه من قِبل أفراد معدومي التخطيط.
الحل يكمن في تعزيز ثقافة التسوق الواعي، من خلال حملات توعية تُبين أهمية الشراء بناءً على الحاجة الحقيقية لا بناءً على الإعلانات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للشركات تنظيم هذه الحملات بطريقة تمنع الازدحام والفوضى، عبر طرح العروض بشكل مدروس أو تقديمها على فترات زمنية متفرقة.
يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن للمجتمع أن يوازن بين الاستفادة من العروض وتحقيق التسوق العقلاني؟
الأمر يتطلب جهدًا جماعيًا لتعزيز القيم الاقتصادية السليمة والتصرف بمسؤولية. ولعل هذا السلوك يفتح نقاشًا أعمق حول العلاقة بين الضغط الاقتصادي وتغيير أولويات الأفراد في استهلاكهم، حيث إن العروض قد تصبح فرصة للبعض لتوفير المال في ظل غلاء المعيشة، لكنها في الوقت ذاته قد تكشف ضعف التخطيط المالي لدى كثيرين الذين يستهلكون دون وعي، ما يزيد العبء عليهم على المدى الطويل.
دور المؤسسات التعليمية والإعلام هنا لا يقل أهمية، فالتثقيف المالي يجب أن يكون جزءًا من تربية الأفراد منذ الصغر، ليتعلموا كيف يديرون مواردهم ويحددون احتياجاتهم الفعلية دون الانسياق خلف الدعاية والإغراءات. أما وسائل الإعلام، فعليها مسؤولية تسليط الضوء على هذه الظاهرة وتحليل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية.
كذلك، يجب أن تتحمل الشركات والمحال التجارية جانبًا من المسؤولية، من خلال وضع حدود معقولة للعروض مثل تحديد كمية الشراء لكل شخص أو تنظيم عملية الدخول والخروج لتجنب الفوضى. فبدلًا من التركيز فقط على جذب المزيد من العملاء، يمكن أن تكون هناك آليات تساهم في تقديم خدمة أفضل وتعكس احترامًا أكبر لاحتياجات الزبائن الفعلية.
في الختام، يمكننا القول إن الحلول لهذه الظاهرة لا تكمن فقط في معالجة السلوك الفردي، بل أيضًا في خلق بيئة أكثر توازنًا بين الاستهلاك الواعي والنظام الاقتصادي. إذا تمكنا من تعزيز الوعي لدى الأفراد وتنظيم السوق بشكل أفضل، فإننا سنحصل على مجتمع أكثر استقرارًا واحترامًا لقيمة الأشياء وللحاجات الحقيقية.