2024
Adsense
مقالات صحفية

الذكاء الاصطناعي بين الإبداع الإنساني وأخلاقيات العلم

ثريا بنت علي الربيعية

خلق اللهُ تعالى الإنسان وكرّمه بعقل ذا نظام بالغ في الدقة والإدهاش به تنطلق المسيرة الإنسانية بكل مسؤوليّة ليكون الإنسان قادرًا على التعلم والعمل وبناء الحياة بأكملها، فقد وهب اللهُ تعالى الإنسان طاقات مكنونة وقدرات هائلة تعينه على بلوغ أهدافه، واستكشاف عظمة الخالق سبحانه وقوانينه الكونية.

لايخفى علينا اهتمام ديننا الإسلامي الحنيف بالعقل، إذ أعلى من شأنه فجعله مناط التكليف والتمييز، وحجر الأساس للمعرفة، لذلك وردَ لفظُ العقل ومشتاقاته في القرآن الكريم في تسعةٍ وأربعين موضعًا، ومهما تباينت الألفاظ واختلفت صيغها إلا أنّها كلها تدلُّ علَى عمليَّة الإدراكِ والفهمِ التي تفرّد بها الإنسان عن سائر المخلوقات، كما أشار العالم الكبير ابن سينا في مقولته: “العقل البشري قوة من قوى النفس لا يستهان بها” مما يؤكد قيمة هذا الجزء الجوهري لدى الإنسان في الهداية والتبصُّر.

فضلًا عن ذلك فإنّ العقل مفتاح التأمل في صفحات الكون ليصل الإنسان باعتباره محور الكون إلى حقيقة وجوده في الحياة وأسرارها، وعليه فقد أُعطي العقل مجالاً فسيحًا للنظر والتدبر بما يؤهله أن يوجّه فكره ومواهبه لفتح آفاق من الإبداع العلمي، فكم من إنجازات علمية واختراعات عظيمة حققها الفكر الإنساني. على مر العصور.

في واقع الأمر يشهد عصرنا الحديث ثورة تقنية هائلة غير مسبوقة، وها نحن نرى التطور التكنولوجي المتسارع يوما بعد يوم في العالم مما أعقبه تباعًا زخم متنوع من تطبيقات الذكاء الاصطناعي يُنبىء بتغيير عالمي ومستقبل أكثر تطورًا، وبلا شك إنها من أهم نتاجات المعرفة الرقميّة التي يمكن أن تكون مجالًا مثاليًا للتنافس الاقتصادي بين دول العالم؛ إذ أسهمت في إنتاج صورًا من البرمجيات والتطبيقات الرقمية أحدثت نقلة كبيرة في كافة الميادين.

من هذا المنطلق سنركز حديثنا اليوم عن تقنية الذكاء الاصطناعي (AI) التي هي إحدى أكثر التقنيات إثارة في حياتنا اليومية بعد أن كانت ضربًا من روايات الخيال العلمي قبل فترة من الزمن، كان عام ٢٠١٨م بمثابة النقلة الكبرى للذكاء الاصطناعي وانتشاره بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وفي الواقع نمت هذه التكنولوجيا حتى أصبح وجودها حتمًا علينا كأداة رئيسية تدخل في صلب المجتمعات؛ ولهذا لم ينحصر دورها فقط في عمليات البحث والمختبرات العلمية بل أصبحت ركيزة حديثة تحمل في طياتها إمكانيات هائلة لتحسين حياتنا اليومية؛ بسبب قدرتها على استيعاب مدى واسع من البيانات الضخمة، التي تعتمد المساعدة الرقمية في التصميم والتخطيط، وأيضا إنجازها الكثير من المهام بجودة وبدقة متناهية لهذا لمسنا تأثيراتها في مختلف جوانب حياتنا؛ بدءًا من الهواتف الذكية التي لاغنى عنها وصولًا إلى السيارات والطائرات ذاتية القيادة.

من زاوية أخرى تُعد من أهم التقنيات التي أحدثت ثورة في مجالات حيوية؛ كمجال الرعاية الصحية إذ ساعدت في تشخيص الأمراض بدقة أكبر من الأطباء البشريين في كثير من الحالات؛ باستخدام تقنيات تحليل الصور الطبية للأمراض المستعصية، أضف إلى ذلك مجالات هامة كمجال التعلم و التعليم وذلك بإجراء تنبؤات قائمة على البيانات مثل خرائط جوجل، وإعداد العروض والصور وتحليلها
باعتماد برمجيات كتطبيق(تشات جي بي تي )، وربورتات المحادثة، وتقنيات الواقع المعزز التي تحاكي بلغة المنطق عمل البشر وتشابهه صوتًا وصورة.

في ضوء ماسبق قد تصبح أدوات الذكاء الاصطناعي في قادم الأيام بديلًا مناسبًا يحل محل الكثير من المهن والوظائف التي يعمل بها الكثير من البشر، ولنا أن نتخيل اعتماد كبرى الدول عليها في بناء خطوط التصنيع والإنتاج وإدماجها في المشاريع الإنمائية التي تعوّل عليها المجتمعات المتطورة، ونتيجة لذلك قد تواجه المجتمعات البشرية تحديات حقيقية في تقليص الوظائف واليد العاملة، في المقابل فإننا قد نتساءل حول مدى التزام هذه التقنيات والأدوات بمعايير أخلاقيات العلم، ونحن نعلم أنها قد تستغل بطريقة تفتقر للأمان والأمانة العلمية؛ فتضر بالآخرين أو تتعدى على خصوصياتهم الشخصية، ناهيك عن أن هذه الأدوات تفتقد تقييم المشاعر، وبالتالي ينعدم معها الحس الجمالي والإبداعي الذي تزخر به النفس البشرية، من هنا تظهر الحاجة لتطبيق إجراءات الأمان وتتبع البيانات بوعي عند التعامل مع هذه التطبيقات.

في محصلة الأمر نُدرك تمامًا أنّ الذكاء الاصطناعي تقنية واعدة بمستقبل أفضل، بدأت تشق طريقها نحو تحقيق رؤى الإنسان المعرفية وغاياته، بيد أنه لابد من النظرة المتزنة في استخدام هذه الأدوات وتسخيرها في خدمة الإنسانية، والمساهمة في تحسين مهارات المجتمع للتحول الرقمي وفق أخلاقيات العلم الإنساني.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights