2024
Adsense
مقالات صحفية

مقال : لسنا أوصياء .. أليس كذلك؟!

أحمد بن سالم الفلاحي

shialoom@gmail.com

تشغلنا كثيرا النظرة الأخرى تجاه الآخر، وكأنه لا يمكن ان نسلك طريقا ما بدونه، بل نعد ذلك مرتكزا مهما للمضي قدما نحو ما نريد، وكأنه بخلاف هذا الآخر لا نستطيع أن نحدد وجهتنا، آمالنا، طموحاتنا، خططنا، حيث لا بد من وجو هذا الآخر بيننا في كل خطواتنا، والسؤال لماذا هذا كله؟ لماذا ندع هذا الآخر – أيما كانت قرابته مننا -: أخ؛ صديق؛ زميل؛ جار؛ تربطنا به مصلحة ما؛ تعرفنا عليه للتو؛ عدو، كل هذه الأصناف من العلاقات؛ ما الذي يجبرنا على أن نلتف حوله، نعاديه او نصالحه، نضعه نصب أعيننا، نقتسم معه أوقاتنا، أحلامنا، آراءنا، ما هي الضرورة الى ذلك أصلا؟ وهذا الآخر؛ إن كان يدري أو لا يدري؛ ما هي الضرورة الى ذلك أيضا؟ لأن هناك أيضا من يتعمد أن يعلم هذا الآخر انه مهتم به؛ سواء هذا الاهتمام سلبا أو إيجابا، في صورة من صور التقصي، وهذا شيء عجيب؛ وغريب، على الرغم من عاديته في القاموس البشري.

ولذلك، ونادرا ما يحدث، أن تحضر أي مجلس لا يتطرق فيه المتحدثون عن فلان من الناس، عمل كذا، وذهب إلى كذا، وقال كذا، وتتداخل الآراء بين مؤيد ومعارض في كل ما يقوم به فلان، وكأن فلان هذا عرض ملفه الشخصي على هؤلاء الجالسين؛ ليقيموا حركته اليومية، وما يقوم به من ممارسات مختلفة، وما يصاحب ذلك من غمز ولمز، وغيبة ونميمة، ومن خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهنا تكمن الغرابة، إلى حد الاشمئزاز، هناك من يعجبه هذا الحديث البعيد عنه، لأنه في حالات كثيرة سوف يصله ما يقال عنه، بصورة أو بأخرى، ومكمن الإعجاب به من قبله، أنه فرد مهم في المجتمع، ولولا ذلك لما أصبح حديث العامة والخاصة، وهذا شيء عجيب آخر.

الغريب في الأمر أن ما يقال عنا، أو نقوله عن الآخرين لا يصرّح به في حضور هذا الآخر، والآخرون أيضا لا يصرحون بكل ذلك في حضورنا، وإنما تظل هذه الآراء مرفرفة عبر الأثير تتناقلها الألسن، ولها – هذه الألسن – أن تضخم، وتكبر، وتعلي، وتسفل الى الحد الذي تجعل من هذا الفرد في قمة هرم الشهرة؛ سلبا أو إيجابا، وهكذا تتسارع وتيرة الحديث، ومن ثم تقصر وتتماهى، حتى الزوال، حيث تغتال هذه الألسن هذا الفرد، أو ذاك بدم بارد، كما يقال.

الخطورة في كل ذلك التشويه القاسي الذي يناله هذا أو ذاك، حيث يغتال في أخلاقه، وقيمه، وتشوه الكثير من أفعاله الطيبة، فلا تبقى له باقية من جميل، ولا صنعة سامية من عمل، ولا قيمة إنسانية من كيان، تتنابشه الألسن، وتوزعه هنا وهناك، والمفارقة الموضوعية في كل هذا، أن هذا لا يرضى بهذا كله، بينما يمارسه على الآخر، وهذا أكبر ضربة في عمر الوعي من ناحية، وفي الانفصام الشخصي الذي يعاني منه المرضى والأسوياء على حد سواء، ولا تزال الإنسانية تغتال ذاتها في هذه المواقف المتكررة، وهذا ما يؤسف له حقا.

نعم؛ “لسنا أوصياء على أحد”، وما دام الأمر كذلك فلنترك الآخرين لحالهم: ينامون يصحون، يأكلون، يشربون، يفارقون بيوتهم أو يجلسون، يسافرون، يلبسون الأخضر أو الأزرق أو الأحمر أو الأبيض، لهم كل هذه الألوان والممارسات؛ كما لنا ذلك أيضا، لا نريد منهم جزاء ولا شكورا؛ كما هم أيضا لا يريدون منا جزاء ولا شكورا، وليعش كل واحد بالطريقة التي يراها، وباللون الذي يختاره، ولنتخلص من هذه التركة الثقيلة التي توارثتها الأجيال، ويكفي ما تحمله النصوص المختلفة: دينية وغير دينية، من استنكار شديد مقابل استمرار هذا الفعل الشائن في حق الآخر.

 

 

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights