2024
Adsense
قصص وروايات

قبس من نور

منال السيد حسن

كانت عيونه تلمع من شدة الحنين دون بوح!!
قالتها وهي تبكي لفرط الوجع الساكن بأعماقها والذي مزق فيها كل ممزق .. كيف له أن ينكر حبه لها وهو الذي زج بها إلى عالمه بكامل إرادته المنفردة وكامل إرادتها المغيبة!!
لا شيء كان أكثر هوسا بداخلها سواه ..
كانت السماء صافية وباردة وريح حبه كانت تعصف قلبها بقوة وسخاء ..
أما هي فكانت تبكيه وتبتسم في آن واحد .. في علاقتها معا كل شيء قابل للتوقع والإستحالة ..  كان النسيم المنعش  الوحيد في تقلبات السماء وغيومها السوداء التي غطت المدينة بأكملها.
على مدار سنوات غير منتظمة من وجوده وعدمه كان يسكن كل خلية في روحها .. كان فارسها المغوار وقائد الجيش الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في حربها ضد الآخرين .. هو ولا سواه ..
تذكرت قوله لها ذات جليسة حلوة “لا يمكن أن يكون هناك أكثر من ربان للسفينة وإن كان فحتما سوف تغرق” كان يلمح لها عن علاقتهما .. ومنذ ذلك اليوم وهي تركت له زمام أمورها و.. قلبها ..
جاء المساء واعتدلت على ذاك الكرسي الخشبي في زاوية الشرفة التي تكسوها الزهور وثمة ضوء خافت على جانبها في أعلى الحائط .. ابتسمت قائلة “إنه الجمال الوحيد في كل شيء” مثلا عقله دائما ينبت أفكارا تتسامى عن كل رديء.. روحه نضرة .. قلبه أخضر .. كفه ندي .. حكيم بالفطرة .. ودود العشرة .. يمسك الأشياء دائما من المنتصف لا يقترب فيسقط ولا يبتعد فيتمكن منه الجفاء .. لا يضع شيئا أبدا في غير محله ..
لم ترَ في حياتها أحدا في حكمته ورجاحة عقله وحسن تقديره للأمور.
كان ميلاد كل شيء جميل في حياتها وظل الأبد الملموس بالنسبة إليها..
شعرت وقتها أن ذكريات ستة أعوام تضج بداخلها حين أثبت لها بأن كل شيء قابل للغفران ..
حسنا حلت عواصف الخريف .. خريف نوفمبر الذي يضرب كل عام قلبها بقوة وتدق نواقيس الدفء لتغمرها رغم البرد القارس. . نوفمبر شهر ميلادها الجديد .. شهر رؤيته وحبه الذي ولد في قلبها آنذاك .. نوفمبر الذي تتمنى أن يصير العام  كله نوفمبر ..
انتشلها واستطاع تغيير مسرى حدوث الأشياء في حياتها .. وأمضى ليلتها الميلاد على طريقة الأجيال القديمة الذين نُصحوا بإعادة التفكير في خططهم!!
انكشف الظلام عن روحها .. وانبثق طريق النور والحق والهداية .. والأمل والحب .. بعدما كانت تذهب للفراش بصعوبة اتقاءً للأحلام ..
كان داخله صالحا إلى حد بعيد .. وهي كانت تؤثر حبه على كل شيء .. كانت تتنفسه في كل لحظة حب أو شوق وحنين .. وهي تشتاقه في كل لحظة ..
مهما تكبدت لإخفاء حبه يظهر ..
ومهما عانت لإقناعهم بأنها لا تحب ينضج فيها الحنين ..
تذكرت اثنتي وعشرين عاما من الحزن الذي كان يخبو في كل خلية داخلها .. وكل الأراضي القفار التي دفعها إليها أحدهم ذات لحظة يأس وخوف ..
وكيف كان لحلمها أن يكف عن الدوار .. وكيف شاخ بداخلها الأمل وأضناها الوجع .. وكيف لصرخات الموج أن تعتلي عفن الشواطئ ..
كانت تظن أنها قاب قوسين أو أدني من النهاية .. ولكنه آتى لينير الطريق المظلم ويكون المنحة لكل محنة ..
“مغرمة أنا بك” قالتها وهي تمسح الدمع المتساقط على خدها .. وصرخت قائله أحبه وكيف لي ألا أحبه .. تحبه يقظة وحلما، سكرة وصحوة ..
قالتها لعله يشعر بأنين توجعها ولا يضغط زناد القسوة مجددا .. قالتها لعله يفهم أنها تلعن كل شيء في غيابه .. وتلعن وجوده بجوار أحد سواها .. قالتها وهي موقنة بأنها توجته ملكا لعرشها منذ زمن .. منذ تلك اللحظة التي سلمته فيها نفسها وقلبها وعقلها وروحها .. قالتها لعله يدرك رحمة الله التي لحقت بها وجمعت بينهما ذات لحظة كانت ستفقد فيها الحياة..

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights