لا قلبَ في العالم
ناصر بن خميس الربيعي
وأخيراً جاء موسمُ الحصاد، عالمٌ لا قلبَ فيه ينبض بالحياة، ولا ريحَ قادمةٌ من بعيدٍ توحي بتغييرٍ قريب، يحصد العالمُ ثمارَ عقودٍ من الحرثِ في العقولِ الفارغة والنفوس الخاوية، أيعقلُ أن تكون هذه النهاية؟
في كثيرٍ من الأحيان نرجو أن تكون النهاية فعلاً، فلم تعد القلوب تحتمل المآسي والآلام المتكررة، فالجثث تملأ العقل والأصابع ملطحة بالدماء والأفكار تتأرجح في عالم ضاعت حقيقته في أرض لا تُنبتُ إلا الشر.
سفينةٌ أخرى تحمل الموت القادم من الغرب إلى الشرق ، وكأنها المخلصُ الذي جاء ليقضي على ما نسيه الموتُ فالمنازلُ أكوامٌ فوق بعضها والجثثُ تخرج رائحتها الزكية من شاشة الهاتف والتلفاز، كيف لا وهم ذهبوا في طريق كَثُرَ سالكوه منذ الزمن السحيق.
الزمن الذي زرعوا فيه نظرياتهم المريضة وأفكارهم السقيمة لتُنبِتَ لنا أشجاراً ساءت ثمارُها علقمٌ طعمها، فصرنا نتخبط كالذي يتخبطه الشيطان من المس، فأنّى لنا من مرشدٍ يعيد لنا بذورنا التي غُرِست في زمن الصلاح والرشاد، فنهتدي إلى طريق الصواب.
غرسوا في عقولنا الشر منذ ولادتنا بل قبل ولادتنا، غرسوه في آباءنا، وهم أورثونا إيّاه، بئس التركة التي خلّفوها؛ لتُقطّع أوصالنا وترمي بنا في مزبلة التاريخ، نعم مزبلة التاريخ، فلا قلب ولا عقيدة شفعت لأطفال فلسطين، وهم يُذبّحون بدم بارد في عالم لا قلب فيه.
فَواهٍ على دنيا لا قلب فيها وألْفَ واهٍ على عالم ساده الجور والظلال؛ ليعم الظلام أركانه في عصرٍ تفتحت فيه أبواب العلم والمعرفة، ولكن غُلِّقَتْ فيه أبواب الأخلاق والقيم.