إسألوني عن الشجاعة وعن الصمود، وأنا أقول لكم : غزة
ناصر بن خميس السويدي
حين تبحثون عن معنى الصمود الحقيقي، عن الشجاعة التي تتحدى المستحيل، عن الإرادة التي لا تُكسر مهما تعاظمت عليها الجروح والآلام، حين تفتشون عن روح تشرق في قلب الظلام، فإنكم لا تجدون مثالًا أكثر صدقًا وقوةً من غزة.
غزة ليست مجرد مدينة، بل قصيدة كُتبت بدماء الشهداء، وأنين الجرحى، وضحكات الأطفال الذين يلعبون بين الركام، هي صوت الأمهات اللاتي يخفين حزنهن بعيون صامدة، ووجه الشباب الذين يُصرّون على الحياة رغم حصارها.
الشجاعة في غزة ليست مجرد صفة، بل نبض الحياة، هي التي تدفع بالناس للنهوض كل صباح، لبناء ما تهدم، وزراعة الأمل رغم شح الإمكانيات، إنّ أهل غزة لا يملكون أسلحة ضخمة ولا وسائل فاخرة، لكنهم يملكون ما لا يقدر عليه أحد، قلبًا لا يعرف الخوف، وروحًا تأبى أن تخضع.
حين يقال لكم إن الشجاعة تسكن القلوب، قولوا إن شجاعة غزة تكسر الحدود.
الشجاعة في غزة تلك اليد التي ترفع طفلًا سقط أرضًا، وتلك الأم التي تضم فلذة كبدها وسط الدخان والغبار، وتهمس له بأن المستقبل سيكون أفضل، هي تلك الأقدام التي تسير فوق الركام، وتلك الأعين التي ترى في السماء وطنًا لا تزعزعه القنابل، وتلك الأيدي التي تعيد بناء ما دُمّر، وكأنها ترسم لوحة جديدة للحياة من بين الرماد.
حين يسألني أحد عن معنى الصمود، أقول لهم: انظروا إلى غزة، إلى شبابها الذين يحملون أحلامهم على أكتافهم رغم قسوة الواقع، انظروا إلى طلبة العلم الذين يحاربون الجهل بقوة الإرادة، وإلى النساء اللواتي يزرعن الصبر في القلوب، وإلى الأطفال الذين يحلمون بالعالم خلف الحواجز، ويرسمون الشمس على جدران بيوتهم.
غزة مرآة الإرادة الإنسانية حين تواجه الظلم، وهي الشاهد الحيّ على أن الأمل لا يموت في قلوبٍ اختارت الحياة، رغم الحصار، ورغم الجراح، تبقى غزة تنبض بالحياة، تعلمنا أن الوطن ليس مجرد أرض، بل شعور، وانتماء راسخ، هو كرامة لا تنحني.
حين يُذكر الصمود، حين تُذكر الشجاعة، نقول للعالم: هذا هو شعب غزة، وهذا هو إيمانه، وهذه هي رسالته.
غزة تعلمنا أن الصمود ليس فقط في مواجهة العدو، بل أيضاً في مواصلة الحياة اليومية بكل تفاصيلها البسيطة التي قد تبدو لبعض البشر عادية، لكنها في غزة تصبح بطولات، أن تذهب إلى المدرسة رغم الدمار، أن تفتح محلاً رغم القصف، أن تحلم بمستقبل رغم كل القيود، هذا جوهر الصمود.
الروح الغزاوية تجسد الشجاعة في أبسط لحظاتها وأعظمها، الشجاعة التي تظهر في عيون الطفل الذي يرسم شجرة على جدار منزله المهدم، وفي قلب الفتاة التي تحمل كتبها وتسير على الطريق المحفوف بالمخاطر، الشجاعة تكمن في كل أم تحمل طفلها إلى العيادة وسط الحصار، وفي كل مزارع يغرس بذور الحياة في تربة شهدت الكثير من الدماء.
غزة ليست فقط مسرحاً للمعاناة بل منصة للأمل، لشجاعة من نوع خاص لا يفهمها إلا من يعيش تحت وطأتها، أهل غزة، رغم الحصار، يعلموننا أن الحياة لا تتوقف، مهما اشتدت الصعاب، يبقى هناك صوت للأغاني في الأعراس، وضحكات الأطفال في الأزقة، ورائحة الخبز الطازج في الصباح، إنها شجاعة التمسك بالحياة حتى في أحلك الظروف.
حين تسألونني عن الصمود، أقول لكم : انظروا إلى غزة، لأنها قصة لا تنتهي، حكاية تتجدد في كل جيل، هي درع لكل من يقاوم الظلم في أي مكان في العالم، وتظل تقول بصوت قوي: نحن هنا، نحن باقون، نزرع الأمل رغم الألم، ونعيد بناء ما دمرته الأيدي العابثة، لأن غزة هي الشجاعة، هي الصمود، هي الحياة.