قصة قصيرة (الجريمة) الجزء الرابع
خلفان بن علي بن خميس الرواحي
مايزال سر الجثة والسيارة لم يتضح والناس مازالت تتساءل، من أين جاءت؟ والحكايات في القرية بدأت في الانتشار وبصور مختلفة الكل يضع سيناريو خاص به كلها تخمينات ليس لها صلة بالواقع، الجثة في التشريح والشرطة تحاول التعرف على صاحبها أولا من خلال التعرف على صاحب السيارة لذا استدعى ضابط المركز الملازم قيس حتى يعرف آخر ما توصلوا إليه.
يدخل الملازم قيس ويؤدي التحية العسكرية ويشير له ضابط المركز بالجلوس، جلس الملازم قيس وبيده ملف ثم نظر إلى الضابط وقال: سيدي للأسف لم نجد شيئا يوصلنا لصاحب السيارة!! الضابط: أليس للسيارة ملف في المرور؟ الملازم قيس: للأسف سيدي لم نحصل على أية معلومات لأننا لم نجد لوح السيارة كما أنه ليس بها أي أرقام يمكن أن ترشدنا لأية معلومات، الضابط: والآن ما هو الحل؟ الملازم قيس: سيدي نحن ننتظر تقرير تشريح الجثة والطب الجنائي حتى نحدد في البداية سبب الوفاة، يحرك الضابط رأسه موافقا لكلام الملازم قيس ثم يقول: ما أفهمه أن الموضوع مازال فيه أكثر من احتمال، نعم سيدي يرد عليه، الاحتمال الأول وجود جريمة قتل وبعدها وضعت الجثة في السيارة وصارت الأمطار وجرفتها الأودية أو الاحتمال الثاني كانت فقط قضية اعتداء ووضع الرجل في السيارة وحدثت الأمطار وانجرفت السيارة ومات غرقا، ينهض الضابط من مكانه ويجلس في كرسي مقابل للملازم قيس ويقول له وهو يبتسم: نحن كلنا ثقة بك، وبأنك قادر على حل لغز هذه القضية بإذن الله تعالى وكل ما تريده مستعدون لتوفيره لك، المهم نحل القضية ونصل إلى الحقيقة، شكرا سيدي على هذه الثقة وبإذن الله تعالى سوف نتعاون معا في الوصول إلى حلها، هكذا رد قيس عليه ثم ينهض مستأذنا للخروج لإكمال أعماله، الضابط: إلى أين؟ قيس: سوف نجلس مع غسان وهو الشخص الذي وجد السيارة أول الأمر ونسأله بعض الأسئلة حتى لا نأخره كثيرا فلقد كان متعاونا معنا إلى أبعد الحدود، ينهض الضابط ويضع يده على كتف قيس ويقول له: كل التوفيق وبإذن الله تعالى بعد هذه القضية سوف نناديك بالنقيب قيس، يؤدي قيس التحية منصرفا ويحاول أن يخفي الفرحة في داخله ويرد عليه: شكرا سيدي،
تعود الحياة للقرية بعد ذلك الكم من الثبات نتيجة الأمطار والحادثة التي أشغلت الناس، مع أنهم مازالوا في الانتظار. غسان لم يعد بعد إلى بيته، وزوجته عبير في الانتظار وحيدة بعدما فقدت ابنتها (جنان) في حادث دهس، وهي ابنة ثلاث سنوات إنها تذكر تلك اللحظة الحزينة عندما قدم ذلك السائق المتهور ودهسها، تبكي في داخلها وتقول: كم اشتقت إليك يا حبيبيتي أنت الأمر الذي لم استطع نسيانه، تلك اللحظة كنت أرجو أن أكون مكانها، موت جنان كان حادثة هزت القرية لأن حبها من حب والدها غسان مضت السنوات ونسي الناس القصة، ولكن الأم مازالت تذكرها وكذلك غسان حتى شمعة عيد ميلادها كانت هي الشموع التي أضاءت تلك الليلة المظلمة التي عاشتها الأسرة في الليلة الممطرة، ما كان يزعج غسان أن ذلك السائق لم ينل عقابه فقد فر هاربا من مكان الحادث وبذلت الشرطة الكثير من الجهد للوصول إليه وكل ذلك ضاع سدىً أدراج الرياح وفي النهاية قيدت القضية ضد مجهول، غسان كان لديه الأمل ومع مرور السنين لم يفقده فقد كان يؤمن بأن الحق لن يضيع، يرن هاتف عبير وفي سرعة تحمله فقد كانت تتأمل أن يتصل بها زوجها حتى تطمئن عليه، ولكن المتصل ليس هو أنه شخص آخر، تنهض حتى تكلمه، تلقي عليه السلام ثم تصمت وبعدها تقول: بإذن الله تعالى سوف أبلغه، تعود مرة أخرى للصمت بشيء من التركيز وتهز رأسها موافقة على كلام المتصل، ثم ترجع نفس ما قالت سابقا: بإذن الله سوف أبلغه، تغلق الهاتف وتعود حتى تكمل أعمالها قبل أن يعود زوجها من مركز الشرطة حتى تعرف ما حدث معه هناك، مع عودة الحياة بدأ الناس في العودة لأعمالهم في الحقول والمحلات وغيرها وهناك من باشر عمله في الدوائر الحكومية والخاصة وعاد الطلبة لمقاعد الدراسة مع وجود بعض الأضرار.
أحمد كالعادة لا يجلس في مكان واحد فهو رادار القرية الذي ينشر الأخبار فيها سواء المفرحة منها والمحزنة، في طريقه صادف ذلك الرجل الذي كان يدس نفسه بين المجموعات ليتعرف أخبار الحادثة ويسأل كثيرا حاول أن يتذكر اسمه لأنه سمعهم يسألونه كما سمع غسان يسأله، ولكن ما يعيب أحمد أنه لا يحفظ كثيرا، نكش رأسه كثيرا حتى عرف الاسم وقال داخله: نعم هو اسمه سعود، لابد أن أقترب منه وأعرف ما عنده، يمشي باتجاه ثم يناديه بصوت عال: سعود، سلامات، كأنك مضيع شيء وتدوره في البلاد!! سعود: الله يسلمك أحمد، يستغرب أحمد ويندهش منه: ما شاء الله تعرف اسمي بعد. سعود: صحيح أعرف اسمك كما أنت تعرف اسمي،ينظر إليه أحمد بغضب أنا عرفت اسمك من الناس لما كانوا يسألونك ونفس الشيء من غسان. تغير وجه سعود لما ذكر غسان وعاجل أحمد بالسؤال: صحيح، زين أحمد غسان بعده ما رجع من المركز، أحمد: علمي علمك، بس أنت لماذا مهتم بهذا الموضوع؟ لم يرد عليه وبدأ في الحركة والانسحاب من المكان كالعادة،يفترق الاثنان عن بعضهما كل واحد منهما في اتجاه وهدف يسعى للوصول إليه أحمد، عودة غسان ومعرفة الأخبار لذلك اختار الجلوس في ساحة القرية على الطريق التي تؤدي لبيت غسان وسعود الذي لا أحد يعرف بعد سر وجوده في القرية يذهب لهدفه الذي جاء من أجله.
بخطوات متثاقلة يتحرك سعود وعيناه تدوران في بيوت القرية وكأنه يبحث عن أحد البيوت بها كان مثل اللص لا يريد أن يراه أحد؛ لأنه يعرف في نفسه نظرة أهل القرية له كما أنه يخاف أن يضاعف في سؤال الناس عنه وسر وجوده، في أثناء ذلك يجد صبيا ويسأل عن أحد المنازل فيرشده إليه ببراءة الأطفال، عندما يصلان هذا هو البيت يشكره سعود ويقترب من الباب حتى يطرقه، شيء من التردد داخله في الأخير يطرق الباب حتى لا يتأخر ويمر عليه أحد، ينتظر قليلا ثم يفتح له الباب فيقول للمرأة التي فتحت الباب: السلام عليكم، ترد من خلف الباب وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته تفضل، سعود: بارك الله فيك، فقط جئت أسأل عن أبي جنان. تصمت قليلا وكأن أمرا غريبا تسمعه لم تتعود عليه منذ سنوات ثم ترد عليه: أبو جنان ليس في البيت، عندما يعود ماذا أقول له؟ سعود: في ابتسامة صفراء عندما يعود أخبريه بأن سعود مر عليه. بإذن الله تعالى ترد عليه وتغلق الباب وتدخل إلى البيت وفي نفسها هذا الإنسان كأنه من خارج القرية وطريقة سؤاله غريبة، ما علاقته بغسان! منذ وفاة جنان قليل من يناديه هكذا أبو جنان. العديد من الأسئلة في داخلها ولكن لا تعرف لها إجابات لذا احتفظت بها لعودة غسان من مركز الشرطة.
أحمد لا يقف في حركة مستمرة وخلال ذلك رأى ذلك الرجل يقف أمام بيت غسان ويطرق الباب ولكنه لا يدخل حب الاستكشاف موجود لديه فلابد أن يعرف من ذلك الرجل وماذا يريد ولكن كيف يفعل ذلك؟ يتحرك ويقترب ويراقب من بعيد وهنا كانت المفاجأة له أنه سعود في حالة من انصدام لا يعرف ما يقول إلا أنه قال في داخله: ما علاقة غسان بسعود؟ ورد على سؤاله: ليس هناك علاقة في الأساس غسان لا يعرف سعود بدليل أنه سأله عن اسمه بالأمس، ولكن ماذا يريد منه حتى ذهب إلى بيته؟ يمشي ويتمتم بكلمات داخله ولا يرى أمامه أصبح مثل الأعمى يسير بلا وعي أو إدراك وفجأة يسقط في حفرة كانت على الطريق نتيجة الحفريات التي تقوم بها هيئة المياه لتوصيل الماء الحكومي للمنازل، لحظات يفقد أحمد الوعي في الحفرة وبعدها يفيق ويخرج منها وبعض الكدمات في جسمه وهناك ضربات في رأسه يحس من أثرها بألم خفيف قال داخله: سوف يزول فليس هناك حاجة أن أذهب إلى المستشفى، سوف أذهب إلى المنزل واستريح، يمشى ولكن ليس أحمد الذي كان فقد ظهر عليه أثر السقوط في الحفرة فقد كان غير مستقيما في مشيته، هل أثرت الضربة فيه، هو يستبعد ذلك والأمور سوف تكون بخير بعد أن يأخذ قسطا من الراحة هكذا كان يخاطب نفسه وهو يسير ممسكا بأجدر بيوت القرية .