2024
Adsense
مقالات صحفية

الأثر القانوني لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي على مسئولية الطبيب في القانون العماني

د. عبلة خالد الفقي
أستاذ القانون المدني المساعد
كلية الزهراء للبنات – قسم الحقوق
abla@zcw.due.om

من الطبيعي في زمن كان اعتماد الطبيب في علاجه للمرضى على مهاراته وقدراته الشخصية والأسس العلمية والفنية المستقر عليها في الأساس، أن يستحيل التشدد في مسائلة الأطباء تشجيعا لهم على مزاولة المهنة في أمان ودون تخوف من العواقب القانونية لتدخله. كما أنه لا تكليف بمستحيل فمطالبة الطبيب بتحقيق نتيجة معينة هي شفاء المريض هو درب من دروب المستحيل. لذا كان اتجاه القضاء في مختلف النظم القانونية نحو اعتبار الخطأ الطبي الذي يقيم المسئولية المدنية أو الجزائية للطبيب هو الإخلال بواجب بذل العناية الواجبة أثناء مزاولة العمل الطبي فحسب، أي أن يثبت أن الطبيب لم يراع الأصول العلمية المستقرة. حيث اعتبر التزام الطبيب أيًا كان العمل القائم به وأيًا كان تخصصه هو التزام ببذل العناية الواجبة وليس التزاما بتحقيق نتيجة.

ولقد استقر قضاء المحكمة العليا في سلطنة عمان على أن التزام الطبيب المعالج هو التزام ببذل عناية فلا تقوم مسئولية الطبيب إلا إذا انحرف عن بذل العناية الطبية التي تتطلبها أصول المهنة مع مراعاة الظروف الاستثنائية المحيطة بالطبيب عند ممارسته لمهنته سواء من حيث الزمان أو المكان. (طعن رقم 46 لسنة 2007 جلسة 1/4/2007 المحكمة العليا بسلطنة عمان).

ونجد المشرع العماني قد سار على نفس النهج عند تعديل قانون مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان الصادر بموجب المرسوم السلطاني رقم 75/2019 في المادة (43) حيث نص على ألا تقوم المسؤولية عن الأخطاء الطبية لمزاول مهنة الطب، والمهن الطبية المساعدة إذا تم بذل العناية اللازمة، واستخدم جميع الوسائل المهيأة لتشخيص حالة المريض وتحديد العلاج المناسب، وإذا تم اتباع الأصول العلمية والفنية، أو إذا وقع الضرر بسبب حدوث مضاعفات طبية للمريض وأخيرا إذا وقع الضرر بقصد تلافي ضرر أشد محقق الوقوع.

وكما هو معلوم فإن المسئولية القانونية للشخص عن الإخلال بالالتزام المفروض عليه ببذل عناية أصعب في الإثبات حيث يقع عبء الإثبات على المدعي الذي يتعين أن يقيم الدليل على وقوع خطأ أو تقصير أو إهمال في جانب المدعي عليه الحق به ضررا مع إثبات قيام علاقة السببية بين الخطأ والضرر. في حين أن قيام المسئولية عن الإخلال بتنفيذ الالتزام بتحقيق نتيجة يكفي فيه أن يثبت المدعي عدم تحقق النتيجة ولا ينفى قيام المسئولية في حق المدعي عليه إلا عند إثبات وجود سبب لا يد له فيه كقوة قاهرة أو حادث فجائي.

مع التقدم العلمي والتكنولوجي المضطرد لم يعد معقولا أو مقبولا أن تظل مسئولية الطبيب على هذا النحو من التخفيف. فقد أُدي السباق المستمر من جانب مصنعي ومنتجي الأجهزة والأدوات الطبية في تطورها وزيادة إمكانيتها ودقتها وفاعليتها وتشجيع العاملين في مجال الخدمات الطبية على الاعتماد عليها إلى التنافس من جانب المستشفيات والمؤسسات العلاجية والأطباء في شراء واستخدام تلك المعدات لرفع كفاءة وتحسين جودة الخدمات الطبية وجذب المرضي وزيادة أرباحهم. إلا أن الواقع العملي أثبت أن استخدام تلك الآلات والأدوات كأجهزة الأشعة والنظائر المشعة والمناظير وأجهزة التخدير والأسرة الطبية المعدة لاستقبال الحالات الحرجة والأدوات والآلات الجراحية يجعل المريض أكثر عرضه لأن يصاب بإصابات بلغيه يتعذر معرفة أسبابها الحقيقية كالحروق والكسور وتشوهات الأجنة، وقرح الفراش، والأمراض السرطانية، وغيرها. من هنا بدأ التوجه من جانب الفقه والقضاء في الدول المختلفة نحو تشديد مسئولية الطبيب. حيث أضحي الطبيب مسئولا عن سلامة المريض فتقوم مسئوليته عن الإصابات التي تحدث أثناء استعمال تلك الأجهزة والأدوات متى كانت هذه الإصابات مستقلة عن العلاج أي لا تعد مضاعفات متوقعة لحالته المرضية. وعلى ذلك لم يعد الطبيب يعفى من المسئولية حال الإصابة إلا إذا أثبت خطأ المريض أو القوة القاهرة أو الحادث الفجائي. مع ملاحظة أن المسئولية في هذا الصدد لا تمتد إلى الأعمال الطبية التي يقوم بها الطبيب من فحص وتشخيص لأنها ما تزال في نطاق التزام بشفاء المريض وهو التزام ببذل عناية.

ولقد اتجهت المحاكم الفرنسية منذ زمن طويل إلى الحكم بأن إصابة المريض بحروق، نتيجة لهب خرج من المشرط الكهربائي أثناء علاجه يقيم مسئولية الطبيب رغم عدم ثبوت تقصير من جانبه. (حكم محكمة “مارسليا” الابتدائية في 10 مارس 1959). وربما كان هذا هو ما قصده المشرع العماني عندما أعفى الطبيب من المسئولية إذا كان الضرر راجعا إلى المريض، أو إلى بسبب خارجي لا يد للطبيب فيه وفقا للمادة (2/43) من قانون مزاولة المهنة الطبية حيث أن انتفاء المسئولية لهذا السبب يعني أن الالتزام التزام بتحقيق نتيجة وهو ما يفيد أن المشرع يقبل تحول التزام الطبيب إلى التزام بتحقيق نتيجة في بعض الأحيان.

فإذا كان هذا هو الحكم عند استخدام الطبيب لأجهزة والمعدات التكنولوجية فما هو الحكم عند استخدام الطبيب لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في أداء عمله؟
ومن المعروف أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تختلف عن التكنولوجيا المعروفة لدينا فهي عبارة عن محاكاة لذكاء الإنسان من خلال استخدام برامج حاسب آلي قادرة على محاكاة السلوك الإنساني المتسم بالذكاء الغرض الأصلي منها زيادة فاعلية ودقة وكفاءة الأعمال التي تستخدم فيها. أي أنها الاستعانة بالعقول الآلية كبديل عن العقول البشرية في القيام بالمهام المطلوبة في مجالات العمل المختلفة.

ومما لا شك فيه أن استخدام الطبيب لتلك التطبيقات شأنه شان استخدامه للتكنولوجيا يلزم الطبيب بالحفاظ على سلامة المريض، فلا يجوز أن يصاب المريض بضرر من جراء استخدام الطبيب المعالج لتلك التطبيقات. والتزام الطبيب في هذا الصدد هو التزام بتحقيق نتيجة لا يسقطه سوي إثبات السبب الأجنبي.

أما على جانب العمل الطبي ذاته المتعلق بالفحص والتشخيص والعلاج فإني أري أنه وإن كان إستخدام الطبيب للتكنولوجيا لا يشدد من مسئوليته، إلا أن استخدامه لتطبيقات الذكاء الاصطناعي سيكون من شأنه تشديد مسئولية الطبيب لأنه فيه نوع من أنواع مسئولية الطبيب عن اختيار الطاقم المعاون له حيث يعد من قبيل الاستعانة بطاقم مساعد ويتعين على الطبيب وفقا للقواعد العامة التأكد من كفاءة الطاقم الطبي المعاون له كطبيب التخدير والممرضين وغيرهم قبل التدخل مع المريض حتى لو كان ذلك الطاقم هو روبوتات أو إنسان آلي.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights