2024
Adsense
مقالات صحفية

عيون في ليل منتظر للأمل ..

ناصر بن خميس السويدي

الليل هو الوقت الذي يجعل عقارب الساعة تدور بشكل عكسي، يعيدك إلى أيام قديمة وذكريات وأشخاص كنت تظن أنك لن تفارقهم. ثم يأتي هدوء الليل ليحكي للقمر عن ما تخفيه عيون البشر… عن عيون تنام وأخرى يرهقها السهر… عيون تبكي وعيون تشتكي وعيون تخفي أسرارًا لا تبوح بها. هناك عيون حائرة تبحث عن إجابات، وعيون غارقة في الأحلام، وعيون يعجز عن فهمها كل البشر، فهي مليئة بالقصص التي لا تُروى، والألم الذي لا يُظهر.

وفي ظلمة الليل، تظهر تلك العيون التي تحمل في داخلها حكايات لا تُقال، وربما لا تُفهم. عيون عاشت من الصمت أكثر مما نطقت، وعيون أخرى تلمع بشغف لا يخمده الوقت. في هذه الساعات المتأخرة، تُكشف الهموم وتخرج الأفكار من مخابئها، تنسج أحلاماً معلقة في سماء الأماني أو تنقب عن ماضٍ قد مضى، وكأن الليل هو الراوي الصامت لأسرار البشر، يُصغي لهم دون أن يحكم، ويحتضنهم بنجومه المتلألئة التي تشبه عيونهم، حيث تظل كل عين تحكي قصتها الخاصة في صمت، منتظرة الفجر ليعود ويخبئها من جديد.

وفي انتظار الفجر، تبقى الأرواح معلقة بين الأمل والتعب، بين الحلم والواقع. يُصبح الليل مسرحًا للتأمل والاعترافات الصامتة، تتحدث القلوب دون كلمات، وتنصت النجوم لكل همسة ودعاء. بعض العيون تودع الليل على أمل أن تحمل معها إشراقة الصباح شفاءً أو حلاً لمعضلة أرهقتها، بينما عيون أخرى تجد في الليل ملاذاً، حيث لا يُطالبها أحد بشيء سوى أن تكون كما هي، متحررة من قناع النهار.

ومع أول خيوط الفجر، تبدأ تلك العيون بالانغلاق رويدًا رويدًا، حاملةً معها ما أودعته في قلب الليل من أسرار وأمنيات، لتعود وتواجه العالم مجددًا، واثقة أن الليل سيعود في النهاية ليجمعها من جديد، حيث لا قيد على العواطف، ولا حدود للأحلام.

ومع كل إشراقة جديدة، تترك العيون خلفها بقايا أحلام لم تكتمل، وتكتفي بالصمت الذي يلفها. تتأهب لمواجهة يوم جديد بكل ما يحمله من تحديات، لكنها تعلم أن الليل سيعود مجددًا ليمنحها فسحة أخرى لتتأمل وتفكر. كل عين تنتظر دورها لتبوح بما عجزت عن قوله في ضجيج النهار، وتظل النجوم شاهدًا على ما يدور في تلك اللحظات التي تتجاوز الكلمات.

يظل الليل دائمًا هو الملاذ الآمن، الملجأ الذي لا يخذل من يبحث عن السكينة والراحة، حيث تصبح السماء مرآة لآمالهم وأحزانهم. ويعرف كل قلب أن لليل سحره الخاص، سحر يجمع بين العزلة والأنس، بين الوحدة والتأمل، ويمنحهم فرصة أن يعيشوا لحظات من الصفاء، حتى وإن كانت قصيرة، قبل أن يعودوا لمواجهة الحياة مرة أخرى مع بزوغ الفجر.

ومع انبلاج الفجر، تعود العيون لتخفي أسرارها خلف أستار النهار، متظاهرة بالقوة واللامبالاة، لكنها تحمل في طياتها ما كشفه لها الليل من مشاعر دفينة وأفكار تتردد بين الرجاء والخوف. تعود الأرواح إلى زحام الحياة، إلى الأعمال والمشاغل، ولكن يبقى في القلب شيء من أثر تلك اللحظات الهادئة، كأن الليل قد طبع بصمته الخفية في الأعماق.

وفي كل ليلة جديدة، تعود العيون إلى حوارها الصامت مع النجوم، تواصل سرد قصصها غير المكتملة، وتتطلع إلى لحظة جديدة من الصمت العميق والتأمل. تظل في انتظار تلك الساعة التي يُفتح فيها باب الليل، لتستقبلها بهدوء وسكينة، وتجدد عهدها مع أحلامها، آملة أن يكون الليل القادم أكثر وضوحًا وأكثر عطاءً. فكل عين تحمل في داخلها رحلة طويلة، لا تنتهي إلا حين تختفي النجوم ويعود الصباح من جديد، محملاً بتفاؤل جديد أو بتحديات أخرى، لكن دائماً هناك يقين أن الليل سيعود حاملاً معه فسحة من الأمل والهدوء.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights