2024
Adsense
مقالات صحفية

المفهوم الحديث للتوقف عن سداد الديون في قانون الإفلاس العماني

د. سالم الفليتي
أستاذ القانون التجاري والبحري المشارك
قسم الحقوق – كلية الزهراء للبنات – مسقط
salim-s@zcw.edu.om

انقسم الفقه عند تعريف التوقف عن سداد الديون إلى فريقين، فريق أول، تبنى المفهوم التقليدي للتوقف عن السداد؛ حيث يعتبر التاجر المدين متوقفاً عن سداد ديونه بمجرد عدم سدادها في مواعيد استحقاقها، أي أنه يركز على وجود عجز عن السداد أياً كان سببه، فيكفي – من وجهة نظرهم – أن يتواجد فيه المدين لكي يوصف بأنه متوقف عن السداد.

ووفقاً لهذا المفهوم التقليدي للتوقف، يعتبر المدين متوقفاً عن سداد ديونه حتى ولو كان ذلك ناتجاً عن قوة قاهرة، كالكوارث الطبيعية – التي لا شأن له بها – أو بسبب الأوبئة كجائحة فيروس كرونا (Covid – 19 ) مثلاً، أو بسبب ظروف اقتصادية غير مواتية.

ومن هنا يهدف أصحاب المفهوم التقليدي للتوقف، إلى حماية الدائنيين بحصولهم على أموالهم في مواعيدها المستحقة.

وفريق ثانٍ، يتبنى المفهوم الحديث للتوقف عن سداد الديون؛ حيث يذهب مؤيدو هذا المفهوم إلى أن التوقف، ليس من شأنه القدرة عن التعبير عن حقيقة وظروف التاجر المدين، وبالتالي لا يعتبرون التاجر المدين متوقفاً إلا إذا كان توقفه ناتجاً عن مركز مالي منهار، أي أن التاجر المدين يعتبر متوقفاً متى كان توقفه ناشئاً عن مركز مالي مضطرب، وضائقة مالية مستحكمة من شأنها زعزعة ائتمانه.

ووفقاً لهذا المفهوم الحديث، لا يجوز إشهار إفلاس التاجر إلا إذا صاحب التوقف عن سداد الديون، مركز مالي ميؤوس منه.

وينهض هنا تساؤل مفاده- نراه من وجهة نظرنا – من الأهمية الإجابة عليه. هل يعتبر التوقف عن سداد الديون في مفهوم قانون الإفلاس العماني، ذا مفهوم واحد عند الدائن، وعند المحكمة، أم أنه ذو معنى متغير يختلف من حالة لأخرى؟

لم يتعرض قانون الإفلاس العماني، لوضع تعريف للتوقف عن السداد، تاركاً الأمر للفقه والقضاء، حيث عرفه الفقه بتعريفات عديدة تتفق جميعها في مضمونها، منها بأنه العجز الحقيقي للمدين عن سداد دين أو عدة ديون مستحقة، والناشئ عن مركز مالي ميؤوس منه، يستحيل على المدين متابعة تجارته بصورة طبيعية.

وللإجابة على التساؤل السابق، يكون لزاماً علينا تتبع مفهوم التوقف، كمفهوم متغير، وكشرط من شروط طلب إشهار الإفلاس من منظور أول، وكشرط من شروط الحكم بإشهار الإفلاس من منظور آخر.
1- التوقف عن سداد الديون كشرط من شروط طلب إشهار الإفلاس:
الدائن بمجرد عدم سداد التاجر لدينه، يتولد لديه اعتقاد حقيقي مفاده أن التاجر غير قادر على الوفاء بديونه في مواعيد استحقاقها، وإن كان هذا اعتقاد حقيقي لكنه اعتقاد لم يكن ناتجاً عن دراسة مستفيضة عن حالة التاجر المدين من خلال معرفة أصوله والتزاماته؛ والسبب في ذلك أن الدائن غير مطلع على بيان تفصيلي بالأموال المنقولة والعقارات التي يمتلكها التاجر المدين، وغير مطلع على القوائم المالية للتاجر، وغير مطلع على الدفاتر التجارية لهذا الأخير. وبالتالي يكفي للدائن – حتى يتقدم إلى المحكمة بطلب إشهار إفلاس مدينه التاجر، أن يثبت أن هذا الأخير قد توقف عن سداد ديونه المستحقة، وذلك بدلالة الفقرة (2) من المادة (69) من قانون الإفلاس العماني التي تنص “ويعتبر التوقف عن السداد دليلاً على اضطراب الأعمال مالم يثبت خلاف ذلك”.
صفوة القول، أن مجرد التوقف عن سداد الديون، يخول الدائن طلب إشهار إفلاس مدينه التاجر ودون النظر إلى المركز المالي لهذا الأخير.
2- التوقف عن سداد الدين كشرط من شروط الحكم بإشهار الإفلاس:
بالنظر إلى المادة (69) من قانون الإفلاس العماني، والتي تنص بأن “كل تاجر توقف عن سداد ديونه التجارية إثر اضطراب أعماله التجارية يجوز طلب إشهار إفلاسه، …”، نجد أن المشرع اعتبر التوقف عن سداد الديون شرطاً أساسياً ولازماً لإشهار الإفلاس، ولكنه في المقابل قرن هذا التوقف عن السداد بأن يكون ناتجاً عن اضطراب أعمال التاجر المالية.

ويترتب على ذلك أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي بإشهار إفلاس التاجر المدين دون أن تبحث عن سبب التوقف الذي يتمثل في اضطراب الحالة المالية للتاجر المدين، وبالتالي فلا يعتد بكل عجز أو توقف عن السداد، وإنما يجب أن ينم هذا التوقف عن حالة مالية ميؤوس منها، ووضع مالي متدهور.

ولهذا – يرى جانب من الفقه – وفق هذا المفهوم الحديث، أنه لا يجوز إشهار إفلاس الشركة التجارية إذا كان لديها أرباح حقيقية قابلة للتوزيع؛ على اعتبار أن هذه الأرباح دليلاً على عدم انهيار المركز المالي للشركة مما يحول دون إشهار إفلاسها.

في الجانب المقابل، يعتبر التاجر – في نظر المحكمة – متوقفاً عن سداد ديونه ولو كان يسددها في مواعيدها متى كان ذلك التسديد يتم بطرق غير مشروعة استناداً والمادة (381) من قانون الجزاء التي يجري نصها على أنه “يعد مفلساً بالتقصير ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة كل تاجر أشهر إفلاسه بحكم بات، وثبت أنه ارتكب أحد الأفعال الآتية:
ا- أنفق مبالغ باهظة على مصروفاته الشخصية أو مصروفات منزله.
ب- أنفق مبالغ في أعمال المضاربة في غير ما تستلزمه أعماله التجارية.
ج- اشترى بضائع لبيعها بأقل من أسعارها، أو اقترض مبالغ أو صدر أوراقاً تجارية أو استعمل طرقاً أخرى مما يسبب له خسارة كبيرة ليتحصل على المال حتى يؤخر إشهار إفلاسه.
د- حصل على الصلح مع دائنييه بطريق التدليس.
ه- وفى بعد توقفه عن الدفع دين أحد الدائنيين إضراراً بالدائنيين، أو سمح بمزايا خاصة لأحد الدائنيين تفضيلاً له على الباقين، ولو كان ذلك بقصد الحصول على الصلح.
و- لم يمسك دفاتر تجارية تكفي للوقوف على حقيقة مركزه المالي”.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights