الشعر والعطر: جوهر الروح وجسر الإنسانية في الأدب العماني
أشواق العمرية
الشعر والعطر: رمز للعمق وتوهج الروح
في ظل زمن الرقمنة والعزلة، تتحدث الدكتورة فاطمة الشيدية عن الشعر كعنصر يعيدنا إلى جوهر الإنسانية. تؤكد الشيدية أن الشعر هو العطر الذي يحيي توهج الروح، مضيفة: “في زمن يميل فيه الشعر إلى الجفاف، يظل العطر هو الجسر الذي يربطنا بمشاعرنا الأعمق”. وبذلك، يصبح العطر جزءاً لا يتجزأ من العملية الشعرية، حيث لا يُعتبر مجرد صورة جمالية، بل وسيلة لاستحضار الحواس والتفاعل مع النص حيث تصف الشيدية كل قصيدة على أنها “نفحة عطر تنثر روح الشاعر على الكون”، مما يعمق النص ويمنحه توهجًا أكبر، ويصبح الشعر أكثر حيوية واتصالًا بالإنسانية.
العطور وعلم الفلك العماني: طقوس روحانية مرتبطة بالسماء
الأستاذ سماء عيسى يتحدث عن العلاقة بين العطور وعلم الفلك العماني التقليدي، حيث يشير إلى أن استخدام الأشجار العطرية مثل اللبان والصندل كان جزءًا من الممارسات الثقافية والروحانية المرتبطة بالأجرم السماوية. يوضح عيسى أن العمانيين كانوا يتمتعون بتراث فلكي متوارث، حيث استخدموا النجوم لتحديد المواسم والزراعة والسفر.
من ضمن تلك التقاليد، ارتبطت الأشجار العطرية مثل اللبان ببعض المناسبات المهمة مثل رؤية الهلال وبداية الأشهر القمرية، وكان يُعتقد أن الروائح تعمل على تنقية الأجواء الروحانية وتساعد في تحضير الذهن للتأمل في السماء والنجوم.
العطور في الرواية العمانية: مرآة للثقافة والذكريات
من جانبه، يشير الأستاذ محمد الشحري إلى أن العطور في الأدب العماني تمثل أكثر من مجرد عنصر جمالي؛ فهي تعكس تفاعل الرواية مع بيئتها الثقافية. فالعطور في الروايات العمانية تعبر عن مناسبات اجتماعية ومكانة الشخصيات، وأحياناً تكون رمزًا للذكريات أو الحنين حيث إنّ الشحري يؤكد أن العطور ليست مجرد جزء من الثقافة العمانية، بل تمتد إلى الأدب حيث تظهر بقوة في النصوص السردية، وخاصة في الرواية والشعر العماني.
يستشهد الشحري برواية “فراشات الروحاني” للكاتب محمود الرحبي، حيث يبرز العطر كوسيلة للتعبير عن أناقة الشخصيات وإغواء النساء، مضيفًا طبقات جديدة من المعاني إلى السرد، كما يلفت الانتباه إلى رواية “تغريبة القافر” للكاتب زهران القاسمي، حيث يرمز العطر إلى الذاكرة والحنين وفي هذه الرواية، تسترجع الشخصيات مشاعرها وذكرياتها من خلال روائح الآس والعود، مما يعزز الأبعاد النفسية للسرد.
في روايته “موشكا”، يقدم العطر كوسيلة علاجية وأداة للخداع في البلاط الفرعوني، مما يبرز قوة العطر في السرد الأدبي وتحوله إلى رمز متعدد الوظائف والمعاني.
العطر في الشعر العماني: بين الغزل والمدائح
الأستاذ يونس البوسعيدي يتناول الشعر العماني قبل عام 1970، مركزًا على استخدام مفردة “العطر” في العديد من القصائد ويوضح أن العطر في تلك الفترة غالبًا ما كان يظهر في سياقات غزلية أو مدائحية أو رثائية، مشيرًا إلى أن الشعراء العمانيين كانوا نادرًا ما يتطرقون للعطر في سياقات مرتبطة بالحدائق، على عكس الشعر الأندلسي.
ويضيف البوسعيدي أن الشاعر العماني كان يستلهم من بيئته الطبيعية وروائح الأزهار التي كانت جزءًا من وجدانه كما أن هذه الروائح كانت تفوح بعطورها في قصائد الشعراء، مما يعكس ارتباط الإنسان ببيئته ويضيف عمقًا روحانيًا إلى النص الشعري.
ختامًا:
يتضح من خلال هذه المداخلات أن العطر في الأدب العماني ليس مجرد عنصر ثانوي، بل هو رمز يحمل في طياته معاني عميقة ترتبط بالروح، والذاكرة، والثقافة، والبيئة، سواء في الشعر أو الرواية، يعكس العطر تفاعل الإنسان مع ذاته ومع محيطه، ويضيف إلى النصوص الأدبية أبعادًا حسية وروحانية تعمق من تأثيرها وتجعلها أكثر قوة وحيوية.