ظواهر مجتمعية
عبدالله بن حمدان الفارسي
امرأة تئنّ وتشكو سوء الحال، ورجل يبكي مقهوراً من تردّي الأحوال لديه، والعياذ بالله من قهر الرجال، ظواهر بدأت تصاحب كل شروق شمس يوم جديد، نشاهد ونسمع آلام الناس، لا نظنهم فيما يدّعون كاذبين ومحتالين، وإن أخذنا الأمر على ما يتفوّهون، هم عن الصدق ليسوا ببعيدين، لماذا لا نكبد أنفسنا عناء المحاولة والسعي لإخراس هذه الأصوات الشاكية الباكية إن كان الأمر افتراءً واختلاق؟ وإن كان حقيقياً فتلك معضلة لا يجب غضّ البصر عنها، الأمران يستحقّان منّا ذلك، هم منّا ونحن منهم والوطن واحد، وثرواته للجميع، لماذا هذا الصمت الصاخب المزعج من المسؤولين؟ إلا إن كان هذا التعمد في الصمت يعني حقيقة الوضع ويؤكده، وأن هذه المَشاهد صادقة وواقعية.
بلدنا ليس بلد الخير فحسب، بل هو جامع للخيرات والثروات وحاضنها، إن ما نحتاج إليه هو انسجام حقيقي بين كافة الطوائف؛ لإظهار تلك النعم على المواطن وإغداقه بها لتحسين وضعه، وإيجاد المناسب لعيشه وتوفير حياة كريمة له، وهو يستحق ذلك، ليس بالضرورة أن تكون حياة رفاهية ورغد وبذخ، وإهدار للمال العام، ولكنها عدالة لستر الحال، وتحسين الأحوال لا أكثر، ولإخماد جمر الشكاوى والتذمر.
إن تفاقُم هذه الظاهرة التي ذكرنا حتماً لا يخدم مصلحة الوطن ومن ينتسب إليه، إن تصاعد وتيرة الدخان وعلوّه يوحي فعلاً باتّساع قاعدة الشرر و تأجيج جمره، فالسعي لإرضاء المواطن حسب الإمكانات المتاحة، واطّلاعه ومشاركته للرؤى المستقبلية لوضعه، غاية صحية ومُرْضِية للجميع، واطّلاعه على ما يدور حوله، يجعله في مأمن من هذا التخبط غير الصحي، لأن بَسط رداء الحقيقة يطمئن النفس، ويجعلها في أريحية بدلاً من التخبط المبهم، وتوجيه أصابع الاتهام لآخرين دون ثوابت.
حسب المعلومات التي تطالعنا بها المصادر، وتقع تحت أيدينا نتلمس فيها فعلاً ما يسعد الخاطر ويبهجه، ويؤمن الرضا والاطمئنان المعيشي للمواطن، وذلك من خلال الأرقام المتبادلة فيما بينها صعوداً وهبوطاً، والتي في كثير من الأحوال تبشّر بالانفراج، ولكن في ساعة ما يتضاءل ويتلاشى ذلك الأمل في النفوس؛ لعدم انعكاسه على الصالح العام، لنعود لانتكاسة أشدّ من سابقتها، شكوى وأنين وأحياناً أحسبه زئيراً.
نظراً لكثرة وتعدد حالات الظهور الذي أحسبه عشوائياً أكثر منه ممنهجاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ظنّاً ممن يقوم بهذا التصرف الذي هو أقرب للتسوّل سيجد الحلّ من خلاله، ولا أظن بأن من قام بذلك يتعمد الإساءة لنفسه ولوطنه، ولكن ضِيق ذات اليد والحاجة الماسّة دفعت البعض إلى ذلك، لذا هي مناشدة لعلها ترقى لمستوى القبول، وهي تخصيص جهة رسمية، الغاية منها استقبال كافة تظلّمات المواطنين، وبالتالي القيام بإفرازها وتوجيهها للجهة المعنية بالأمر، وحلحلة تلك التظلمات والوقوف على محتواها وتصنيف درجات الأهمية لها، ومن ثم توجيهها لأصحاب القرار في تلك الجهات ومتابعة الإجراءات والقرارات التي تتعلق بها متابعة صادقة ودقيقة، وبعدما يتم البتّ فيها يُطلَع المتظلِّم على ما تم اتخاذه من قرار في محتوى تظلمه.
إيماءً لما تم ذكره أن تكون هناك شفافية مطلقة في التعامل مع تلك التظلمات والشكاوى، وأن اتخاذ الإجراءات فيها تكون بعيدة عن المحسوبية والذاتية، وتخضع لرقابة مهنية نزيهة، علماً ولأهمية ووضوح الآلية المتبعة في هذا العمل التحلّي بالسرية التامة، والحفاظ على خصوصية مقدم التظلم أو الشكوى.
من خلال تلك المنظومة سنتمكن من إخفاء ظاهرة التسول الممنهج، ومنع حدوثها وتكرارها، ومحاسبة كل من تسوّل له نفسه الظهور والإعلان عن حالته بطريقة تسيء لنفسه ووطنه.
هذا الملف بالذات أصبح الهاجس الأكبر بالنسبة لي، ومن المؤكد بأن هناك من يشاطرني الرأي، وهو ملف ما يطلق عليهم المؤثرون أو صانعو المحتوى، طبعاً لا أقصد الجميع، ولكن هناك فئة لا ترقى حقاً لمستوى هذا المُسمّى، ولعل البعض يتساءل عن هذا الاهتمام، علماً بأن الأسباب تمّت الإشارة إليها ضمن أجندة سابقة، فحسب العِلم بالشيء تم تكليف ناطقين رسميين لكل جهة رسمية، مهمتهم توضيح سياسة الجهة المنتمين لها، وتبرير الأفعال والأعمال والأهداف المناطة بها، وشرح الخطط المستقبلية وتوضيح برامج العمل والأهداف، ولكن ما يحدث الآن هو عكس المأمول، وهو ظهور أناس (مؤثّرين- صانعي محتوى) نحسبهم غير رسميين، ولا منتسبين لتلك الجهات يدافعون عنها ويعلنون عن سياستها ويروجون لأعمالها وخططها، هل لهؤلاء الناس شرعية قانونية تؤهلهم للقيام بهذا العمل؟ أم أن الأمر يقتصر على العشوائية غير المسؤولة بلا حسيب أو رقيب.