لماذا أنا…؟؟!!
فؤاد آلبوسعيدي
لقد تعرّضت لكثيرٍ من الطّعن والقسوة الشديدة من الألم، هنالك أطنان من الشكليات والأمور الموتّرة التي تسكن وتستعمر جبّة رأسي، فتأكل مني الكثير من وقتي وكأنها في معركة إستنزافٍ كاسرة ومحطّمة لا نهاية لها ضدّ تلكم اللحظات الجميلة التي أريدها جارةً دائمةً لي، لقد أصبح رأسي مُطأطـأً بسبب ما أراه من شؤون غريبة لا أستوعبها، ربّما هو بسبب إمتلاء عقلي بأمور كثيرة تفوق مقدرتي على إستيعاب حجمها الذي أضحى كمطرقةٍ تدقّ هذه الأعصاب التّي كانت باردةاً، وكذلك تستنزف منّي الكثير من وقتي مهدوراً.
مفاجآت لم تخطر في البال فهي الوبال الشّديد وكحِبالٍ خشنةٍ تمتدّ حول عنقي وتعصر الباقيات الباقية من كلّ الأنفاس، أحداث وقعت وأخرى تقع ولم أدري منبعها، وللأسف مؤخّراً أدركت ماهيّة وأساس منبعها، فكسَرت ما بي من أوتادٍ كانت تحمل حبّاً ومملوءةً وداداً طيّباً وحبّاً كان أوصاله مُحكَّـمة جدّاً بفضائل ومكارم طبعت بي منذ فتحتُ هاتين العينان لتريا هذه الأنوار الدُنيوية الزّائلة.
حدّثني كلّ ذلك صديقي والألم يعصره وكأنه حبّة ليمونٍ تتقاذفه الأصابع بعنف، إستمعت إليه وأنا ألقي بنظراتي إلى عينيه اللّتان إحمرّتا بسبب محاولاته الجمّة في منع سيلَانٍ الدموع منهنّ، وأنا أستمع إليه أحسست بمدى الألم الذي يشعر به، وأحسست وكأن ذاك الغرزَ العميق من الأشواك داخل قلبه كذلك يعيش بي، بل وكأنني أنا من يحتاج إلى نفثِ كلّ تلك المشاعر المؤلمة وليس صديقي فقط.
صديقي هذا شخصية نادرة ورائعة، ولولا ما يصادفه من العثرات وكثرة الحظّ السّيئ معه وكذلك ضيق الطالع الذي لا يعلمه، لربما كان ذو جاهٍ في حياته الإجتماعية والعملية، وما يزيد أمره سوءاً وضيقاً هو ما أفصح به إلى مسامعي لكوني شخصاً عزيزاً لديه، فهو دائماً ما يصفني بالأخ الذّي لم تلده أمّه.
أصبحت أدور في حلقات مفرغة وخطواتي تمضي بطيئاً إلى حيث ما يبدأ مسيري، أحياناً أرى نفسي أمشى في مساراتٍ لا تنتهي، وعلى الرّغم من الهمم المختلفة التي أُجهِد نفسي بها كثيراً لكي توصلني إلى العلياء مميّزاً بين أقراني إلاّ أنّني لا أصل بتاتاً إلى تلك النهايات السعيدة التي أريد، بل أجد ما يبعدني أكثر عن ما يجودُ لي ذلك المستقبل، بحثت عن وميض أنوار السّكينة فلم أجدها، وكم سلكت طرقاً لأرى البصيرة بعينايا فلم أجد سوى زيادةً في الشّك والحيرة في كلّ ما أعمل وأقوم به من أمور.
دائماً ما كنت أبحث عن أسباب تلك الدوائر المفتوحة أمامي والتي لا تنتهي، ودائماً لا أصل إلى الموضع الذي منه أتمكّن من تضميد المكان الذي ينزف منّي كلّ هذا الألم المجنون اللامنتهي، ذاك الواقع المريب جعلني مجنوناً في تفكيري، وحيلة أمري ضاعت منّي بلا سعةٍ تنجدني وبلا زمامٍ ينقذني، للأسف أصبحت كثير الشّك في كلّ الحاضرين من حياتي، للأسف بتّ أرتاب حتّى من أقرب الأقرباء من أرحامٍ وصداقاتٍ كنت أعتبرها أموراً مقدّسة تربّيت عليها مع نموّ أظفاري.
مع كلّ حرف كنت أستمع إليه، كانت لحظات الحسرة تحشرني مع صديقي، فقد ضاق صدره كثيراً وأضاقت كلماته صدري كذلك، وفقط الشيئ الوحيد الذي كان يهدّئ كلينا هي تلك الرشفات من الماء التي كنّا نشربها مع قهوةٍ مُرّةٍ لم تزدنا سوى مرارةٍ وحسرةٍ زادت سواداً لنا كلينا، كلمات صديقي هي وطنٍ للأحزان لم يستطع الهروب منه سوى من خلال نفث الدّخان الذي كان يخرجه وهو يكلمني وكأنه يقدم لي سيرته الذاتية، شعرت به وكأنّه يبحث عن مَخرجٍ يقتل ذلك البؤس الشديد الذي كان يعتريه دون قبولٍ ورضا منه.
مؤلم جداً ما شعرت به وأنا أسمع وأتحدث مع صديقي، أحسست بكلّ الألم الذي يعيشه ويعصره عصراً وكأنّه قطعة قماشٍ بالية لا قيمة لها، ومع كلّ زفير وشهيقٍ كان يأتي منه وإليه وهو يتحدّث معي..كنت أضرب الأخماس والأسداس مع أفكارٍ كانت تحتلّني وترغمني على أن أعيش كلّ المشاهد التي تكلّم حولها صديقي، عشت الألم الذي سكنه، وعشت كلّ التساؤلات التي كانت تتوارد في مخيّلتي حول آلامه، وللأسف فما زالت معظمها دون إجابةٍ تطفئ لهيب الشّجن، لم أعلم جواباً عن سبب إستمرارية تسبّب البعض من البشر بآلامٍ لغيرهم، بتّ أنظر إلى صديقي وهو يوجه لي سؤاله..(لماذا أنا..؟ ؟)، لماذا نؤذي الآخرين ويؤذوننا؟؟
هنالك خلاصة جمعتها من سماعي لآهات وآلام صديقي،
يصيبنا ما يصيبنا من البشر هو إبتلاء ولن يشفينا منه سوى الصبر والدعاء..
{قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} صدق الله العظيم.